تتأجج حمى الحملة الانتخابية يوما بعد يوم مع تقدمنا نحو تاريخ أواخر أكتوبر الذي سيشهد في أواخره الانتخابات التشريعية الفاصلة والتي سوف تمكن الفائز فيها من ولاية لحكم البلاد لمدة خمس سنوات يصعب بجدية أن ينازع في شرعيتها منازع إذا ما وصلنا لنهايتها بسلام…والمتابع للساحة السياسية قبيل أيام من هذا الموعد الانتخابي ينتابه إحساس غريب بصورة “عاشها من قبل” كما يقول المثل الفرنسي (sentiment du déjà vu !!) .
فهذه أحزاب الساحة في أغلبها لم تتغير (عدا نداء تونس الوافد الجديد) وهذه الاستراتيجيات ذاتها ولا جديد فيها بين يسار مبعثرة أوراقه (بالرغم عن المحاولة الهامة للجبهة الشعبية) وبين يمين متمترس في ليبراليته سواء كان دينيا(حركة النهضة وتوابعها) أو علمانيا(نداء تونس) …كيف التساؤل حينئذ عن أسباب عزوف الملايين ممن لم يجلوا في السابق عن التسجيل الآن؟
اليسار المبعثر
مكنت مبادرة الجبهة الشعبية من تجميع ما يزيد عن 12 حزبا سياسيا ذات مرجعيات ماركسية واشتراكية وقومية عربية في هيكل واحد ما لبث أن استقطب , حسب جل استطلاعات الرأي , اهتمام الناخبين الذي ظلوا يضعونه في المرتبة الثالثة بعد حركتي النهضة والنداء . وإن دل هذا على شيء فهو يدل بالأساس على فهم المواطن للتحديات السياسية وتوقه لتنظيمات قوية تعوض عشرات “الحوانيت” السياسية التي فتحت بعد الثورة وساهمت بتشرذمها في فشل اليسار التونسي في الحصول على نتائج يمكن أن تكون مؤثرة في الساحة السياسية…
ولكن هذه المبادرة لا تشمل كل المنتسبين يسارا وهم كثر من غير الماركسيين والذين يمكن أن يوسعوا من حظوة هذا الاتجاه السياسي ..وقد شهدت الساحة عدة محاولات تجميعية باء أغلبها بالفشل مما أدى بعديد التنظيمات إلى مواصلة التجديف منفردة كما هو الحال بالنسبة للحزب الجمهوري وهو صاحب الرصيد النضالي الأكبر مع حزب المسار والحزب الاشتراكي اليساري والقوميون في حركة الشعب والتحالف الديمقراطي المنشق عن الجمهوري…
وفي وسط الصورة نجد ذات السمات المتشتتة من شظايا حزب المؤتمر الذي تفرع إلى ثلاث تنظيمات (المؤتمر ووفاء والتيار الديمقراطي) وحزب التكتل الذي يحاول استنباط حزام سياسي حوله دون جدوى كبيرة ..ولقد ساهمت مشاركة هذهين الحزبين حكم الترويكا في عزلهما عن محيطهما الطبيعي مما يجعلهما في وضعية غير مريحة بين تقدم النهضة بمفردها وعزوف تشكيلات اليسار عن الحزبين وقيادتهما…
اليمين ذو الألوان
في المقابل وعلى الضفة الأخرى تتمترس كل من حركة النهضة وحركة نداء تونس بقوة وهما القوتين الأهم حسب جل عمليات سبر الآراء ولكن المتمعن في البرنامج السياسي للحركتين يلاحظ بوضوح ليبرالية الطرح المشترك اقتصاديا واجتماعيا ليجعل الفارق الأهم بين الحركتين متمحورا حول النمط المجتمعي وهو الفارق الذي سيمكن الناخب في كل الأحوال من الاختيار بين طرح الاسلاميين لمجتمع أصولي يتجه نحو إقامة دولة دينية تبنى على تطبيق الشريعة الاسلامية إن مباشرة أو عبر مراحل متعددة حسب موازين القوى وبين الطرح الندائيين العلماني لدولة مدنية تعلي سيادة الشعب وتحترم إرادته واختياراته …
ولعل هذا التقارب في الطرحين الاقتصادي والاجتماعي للحركتين هو ما يجعل البعض لا يستبعد امكانية قيام تحالف ولو مؤقت بينهما بالرغم عن تبتعد المشروعين الاجتماعيين وبالرغم عن تواجد تيار يساري قوي الحضور داخل نداء تونس معاد لأية امكانية تحالف مع الإسلاميين…
الوسوماخبار تونس الأحزاب السياسية الانتخابات الرئاسية الانتخابات في تونس السياسة المصدر التونسية تونس تونس اليوم