اليوم ونحن نحتفل بالعيد الوطني للمرأة بمناسبة ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية يمكن أن نقف بجدية على جرأة هذه اللحظة التاريخية واتساع تداعياتها على تفرد التجربة التونسية ومسار حرية المرأة فيها.
ولا مجال للشك في أن المبادرة البورقيبية بإصدار هذا النص القانوني المتقدم والأول في دولة عربية اسلامية تجعل من الزعيم الحبيب بورقيبة الأب المؤسس لحرية المرأة التونسية . ولكن المبادرة البورقيبية يمكن أن تقرا اليوم بعيدا عن هالة التقديس الدعائية “الدستورية “التي رافقتها ويمكن أن تتجذر في بعدها التاريخي في بلد ما انفكت نخبته تناضل في هذا الاتجاه ادراكا منها أن المرأة ليست سوى نصف المجتمع وأن لا تحررولا تقدم للمجتمع بدون تحرر المرأة ومساواتها…
فالحبيب بورقيبة وهو يدفع نحو اصدار هذه المجلة القانونية التقدمية حتى قبل اكتمال بناء مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة (قانون إعلان الجمهورية سيأتي بعد ه في جويلية 1957 ) جاء من خلفية تاريخية اصلاحية زاخرة…فالوزير خير الدين كتب كتابه “أقوم المسالك” منذ 1848 داعيا للإصلاحات الجوهرية والتحديث وفي سنة 1897 كتب الشيخ محمد السنوسي كتابا عن المرأة في الاسلام داعيا إلى تعميم تعليم المرأة . ثم جاء عبد العزيز الثعالبي في أوائل القرن العشرين ينادي لتعليم المرأة ونزع الحجاب …ولا شك أن كتاب المفكر والمصلح الاجتماعي الطاهر الحداد (امرأتنا في الشريعة والمجتمع 1930 ) يعد المرجع الاصلاحي الأكبر الذي نهل منه بورقيبة والمشرع التونسي في المجلس التأسيسي الأول لإعداد مجلة الأحوال الشخصية بما فيها من إصلاحات كبرى مثل منع تعدد الزوجات وتحديد سن الزواج ووجوب الاتفاق للزوجين وضبط الطلاق عن طريق المحاكم …
واليوم وبعد ثلاث سنوات من ثورة 14 جانفي وما رافقها من تحرك تحرري من جهة ومن انتشار للفكر الأصولي الاسلامي المعادي لحرية المرأة من جهة أخرى فإن الشواهد كثيرة على أن تحرر المرأة التونسية ومسيرتها النضالية من أجل المساواة قد أفرزت لبلادنا أحد أهم دروع الدفاع عن مدنية الدولة وعن قيم الجمهورية. فلقد كانت المرأة التونسية في طليعة المدافعين عن النمط المجتمعي للبلاد وعن مكتسبات الحرية التي راكمها مجتمعنا بالرغم من سنوات الدكتاتورية الأولى والثانية.
المرأة التونسية اليوم في أعماق الريف وفي متاهات المدن ,في قوات الأمن وفي الصناعات المعقدة وفي رحاب الجامعات وفي المدارس وفي المستشفيات وفي أرقى المراتب الإدارية وفي المؤسسات الصغرى والكبرى وفي تونس وفي خارج تونس في كبرى المنتديات الدولية , هذه المرأة لا يمكن أن تسمح لأي كان من حاملي الفكر الرجعي أن يمس من مكتسبات باتت حجر الأساس في شخصيتنا الوطنية وفي طريقة حياتنا. ولقد برهنت عن ذلك بكل جرأة عندما طرح البعض فكرة التكامل بين الرجل والمرأة في الدستور فهبت المرأة التونسية حتى من صفوف محافظي حركة النهضة الاسلامية لتذود عن مفهوم محوري لمجلة الأحوال الشخصية ألا وهو المساواة بين الرجل والمرأة . وهذا هو الدرع المدافع عن قيم الجمهورية الذي نحتفل به اليوم.
علي للشتوي