كان من المفروض بعد تجربة انتخابات أكتوبر 2011 المريرة على فصائل اليسار التونسي أن نجد أغلبها اليوم وقد استقت الدرس من التشتت المدمر الذي عانت نتائجه بصرامة وأن نرى التكتلات الحزبية القوية تحل محل “الحوانيت ” الصغيرة التي تؤثث شتات اليسار. وبالرغم عن النجاح الكبير الذي تمثله “الجبهة الشعبية ” في تجميع اليسار الماركسي والقومي فإن فصائل أخرى لم تلتحق بالجبهة وهاهي على أبواب الانتخابات المصيرية القادمة تعيد سيناريوهات العام 2011 …
ولا بد أولا في هذا السياق من الاشارة إلى صعوبة تصنيف الساحة السياسية التونسية اليوم خاصة مع تكاثر الكيانات المحدثة وتقاطعها وتشابه أسمائها ومسمياتها في أغلب الاحيان إلى حد الخلط…فما من ملاحظ يمكن أن يجزم كم من حزب اشتراكي وكم من جبهة وطنية وكم من حزب للتنمية وللإصلاح والديمقراطية وغير ذلك من التجمعات من أجل تونس ومن أجل الحرية ومن أجل اشياء أخرى عديدة…ومن المؤمل أن تساهم الانتخابات الثانية بعد الثورة في شيء من التوضيح الضروري الذي قد يؤدي بعدئذ إلى تصنيفات واضحة ويمكن الوثوق بها. غير أن هذا الوضع لايمنع متابعة العديد من الاحزاب المعروفة سواء غبر تاريخيها أو عبر زعاماتها أو عبر ما رشح من خطابها السياسي بما يسمح بتصنيفها يمينا أو يسارا أو وسطا أيضا..
التشتت طال كل العائلات السياسية المنتمية لليسار بكل مكوناته, فبالرغم من كل جهود الشهيد المرحوم شكري بالعيد لا تزال العائلة “الوطنية الديمقراطية” مقسمة ما بين الحزب الذي أسسه بالعيد وجمور وبين بقية العائلة التي اختارت البقاء منع عبد الرزاق الهمامي وكونت جزء من الاتحاد من أجل تونس الذي ستتقدم في صليه للانتخابات مع حزب المسار …
وفي هذا السياق فقد أعلن الحزب الاشتراكي لليسار (المنشق أصلا عن حزب العمال) والذي يتزعمه المناضل محمد الكيلاني أنه لن يتقدم للانتخابات تحت راية الاتحاد من أجل تونس بالرغم عن كونه من مؤسسيه وانه سيخوض الانتخابات بمفرده.. وهكذا انفضت بدون نتيجة ايجابية هذه المحاولة التي تمثلت في تجميع بعض الشتات من اليسار غير الماركسي والقومي صلب الاتحاد من أجل تونس بعد أن انسحب منه الجمهوري أةلا ونداء تونس ثانيا لأسباب مختلفة…
وبالنسبة للقوميين فإن الامر في نفس الوضعية , فلئن كان الشهيد المرحوم محمد البراهمي قد انشق عن حركة الشعب (أكبر الفصائل القومية في تونس) فذلك من أجل الخلاف حول الانضمام للجبهة الشعبية. والتيار الشعبي الذي أسسه البراهمي متواجد اليوم مع عدد من التنظيمات البعثية الصغرى صلب الجبهة الشعبية أما حركة الشعب فإن محادثات قد دارت في الكواليس مع التحالف الديمقراطي وحتى مع حزب التكتل لم تفض لنتيجة تذكر مما سيدفع بحركة الشعب إلى التقدم منفردة للانتخابات…مثلها مثل حركة الديمقراطيين الاجتماعيين (الاشتراكيين سابقا) التي أعلنت تجميد نشاطها في الجبهة الشعبية والانفراد بالترشح بعد أن اشتكت هيمنة حزب العمال على حد تعبيرها…
هذا التشرذم الذي قدمنا صورة عنه يهم الأحزاب المعروفة كثيرا أو قليلا ولكن عدة أحزاب اخرى غير معروفة مثل الأحزاب البعة والثلاثين التي أعلنت في بيان عن احتجاجاتها على قواعد الترشح ولكن جلها لا يعرفه أحد بما في ذلك الصحافيون امتابعون للساحة, مثل هذه الأحزاب تستعد للمشاركة بقائمة أو بقائمتين معيدة السيناريو ذاته دون أن تولي اهتماما على ما سوف تتعرض له من تشتت وضبابية في الصورة…
علي الشتوي