المتابع للشأن الانتخابي التونسي هذه الأيام لا يملك إلا أن يستحضر تجربة انتخابات 2011 بكل جزئياتها سلبا وإيجابا إن أمكن أن نجد ما هو ايجابي فعلا في هذا السيل الكبير من المترشحين من كل حدب وصوب لدرجة تجعلنا نشفق غدا على الناخبين وهم في خلوتهم , كل بما استطاع من زاد معرفي يبحث عمن سيصوت له من بين عشرات القائمات والأسماء والرموز…
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد نشرت أول سبتمبر رسميا إحصائيات القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية في مختلف الدوائر الانتخابية بداخل تونس وخارجها والبالغ عددها 1500 قائمة، مشيرة إلى أن دائرة قفصة سجلت أكبر عدد من القائمات المترشحة ب 81 قائمة، بينما سجل أقل عدد في دائرة تطاوين حيث لم تتجاوز 31 قائمة …
ويجب التنويه هنا أولا أن حركة النهضة قد استطاعت بالتحالف مع بعض الكتل الأخرى تفخيخ القانون الانتخابي برفضها إدراج عتبة تحد من تعدد القائمات متعذرة بحق كل التونسيين في المشاركة في العملية السياسية. وهذا الحق هو من قبيل الحق الذي أريد به باطل ذلك أن أعرق الديمقراطيات في العالم درجت على تحديد عتبة دنيا للمشاركة الانتخابية وحتى إلى وضع شروط صعبة للترشح من أجل غربلة المترشحين. وكان من باب أولى وأحرى أن نضع شروطا للترشح مثلما دعت إلى ذلك كل القوى الديمقراطية في المجلس خاصة وان طريقة الاقتراع المعتمدة بالنسبية وبالقائمات وفي دورة واحدة تزيد من تشرذم الجسم الانتخابي…وحتى بعد عملية التثبت الأولى في القائمات فإنه يبدو أن 100 قائمة فقط قد أسقطت من بين 1500 مما لا يعني أي تغيير في المعطيات العامة للمشهد …
أن تبلغ أعداد القائمات في بعض الدوائر أرقاما قياسية مثلما هو الحال في قفصة ب84 قائمة أو القيروان والقصرين بأكثر من 70 قائمة و منوبة ب68 قائمة فهذا ما سوف يؤدي حتما إلى تكرار نتائج 2011 والتي استفادت منها بالأساس حركة النهضة أمام جسم سياسي متشتت طوع لها امتلاك ناصية الأمور في التأسيسي بشكل لافت . ولولا الوقفات المتكررة للمجتمع المدني الذي لعب دور الحارس لقيم الجمهورية لكنا اليوم بصدد وضع اللمسات الأخيرة لنمط مجتمعي لا يمت للتونسيين بأي صفة؟
ومن اللافت للنظر في متابعة الشأن الانتخابي مسألة القوائم المستقلة التي أعادت نفس الانماط التي شاهدناها في 2011 …وبالتوازي بالطبع مع عدد القائمات الجملي في كل دائرة …فنجد أن عدد القائمات المستقلة في قفصة قد فاقت الأربعين قائمة مما يعني نصف العرض تقريبا ونفس الشئ يحصل في جل الدوائر التي سجلت أعدادا كبيرة من الترشحات…
ويرد بعض المتابعين ارتفاع عدد القائمات المستقلة إلى أسباب متعددة منها السياسي ومنها ما هو غير سياسي بالمرة…ذلك أنه لا مجال للشك أن الغاضبين من الناشطين السياسيين الذين لم تشملهم التعيينات في القائمات الانتخابية للأحزاب يشكلون جزءا لا يستهان به من المستقلين كما أن نموذج 2011 الذي أدى إلى صعود العديد من المستقلين إلى المجلس التأسيسي زاد من حفز “المواهب” لدى بعض المشتغلين في الحقل السياسي ..ولكن آفة أخرى زادت هذا العدد إلى المستويات التي نشهدها اليوم والمتمثلة في الطمع بالظفر بالتمويل العمومي بالرغم عن أن الرقابة على التمويل العمومي قد زادت في القانون الجديد وأن المتابعة الجزائية سوف تشمل كل المترشحين في نفس القائمة وليس رئيسها وحده وهذا قد يكون ما لم يفهمه الكثيرون…
علي الشتوي