بينما يقترب موعد بداية الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية (4 أكتوبر) يهيمن على الساحة السياسية وقع السباق المحموم لأكثر من 30 مرشحا للرئاسية مما يهدد بالتشويش بجدية على فحوى البرامج الانتخابية المتسابقة لصالح العراك الإعلامي حول الصورة الذي ينمطه الإعلام أكثر بالتركيز عليه…
ولابد من الاشارة منذ البدء أن مصير البلاد سيكون مرتبطا بشكل شبه كلي بالأغلبية التي ستفرزها الانتخابات التشريعية. ورئيس الجمهورية في الجمهورية الثانية برغم التعديلات التي أدخلت على صلوحياته في دستور 2014 ، لن يكون له تأثير يذكر في الواقع على السياسية التي ستتبعها الحكومة والتي سيسنها مجلس نواب الشعب…
وهذا ما فهمته حركة النهضة التي ركزت جهودها على التشريعية باحثة عن مرشح توافقي للرئاسة انطلاقا من قناعتها أن المسألة برمتها غير ذات تأثير كبير…أما حركة نداء تونس فإن تمشيها يختلف تماما لظنها بتوفرها على المرشح الأمثل للرئاسة في شخص الباجي قائد السبسي الذي من شأن الزخم المرافق له إفادة القائمات الندائية للتشريعية . كما أن جل الأحزاب التي ترشح زعمائها للرئاسة تنتظر نفس الشيء من الرئاسية مثل المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل والجبهة الشعبية وتيار المحبة …
ولكن الأطروحات السياسية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي على ضوئها سيختار الناخب لم توضح بعد ..ومن الملاحظ أن الساحة السياسية التونسية تعيش استقطابا ثنائيا فكريا حادا من شأنه مزيد إفقار الجدل السياسي في البلاد. ومثلما هو الحال في كل بلاد الربيع العربي استقطب الصراع بين الاسلاميين والعلمانيين كل المساحة مهمشا أية اختلافات أخرى . فلقد كان للحضور الكبير لمقاربات الحركات الاسلامية الخارجة من عقود من المنع والتنكيل والمنتفعة بالزخم الاعلامي الكبير للاطروحات الوهابية المتشددة أن حول الصراع السياسي في مجمله إلى محاولة رد فعل للعائلات السياسية غير الاسلامية لاهضة وراء الجدل حول أسلمة المجتمع وحول النمط المجتمعي الذي تبشر به الحركات الاسلامية …
وبالعودة للساحة السياسية التونسية نجد أن الاستقطاب بين حركتي النهضة وحركة النداء يهيمن على المشهد ويتمحور حول مكانة الدين في السياسة وفي المجتمع أكثر من أي خلاف آخر. إلى درجة أن الحركتين لا تختلفان في الواقع كبير الاختلاف في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تندرج بأشكال قد تكون مختلفة في اختيار اقتصاد السوق الليبرالي وفي الانخراط في العولمة الليبرالية والتعويل على الاستثمار الأجنبي وعلى أولوية التصدير…
وإن بحثنا قي عمق الخطاب السياسي للجبهة الشعبية أكثر الأحزاب الكبري يسارية في المشهد فإننا نجد آثار الاستقطاب الثنائي هنا أيضا حول المسألة الدينية التي تحدد المسافة الفاصلة بين الجبهة الشعبية وبين النهضة والنداء على نفس البعد تقريبا حتى وإن تميزت الجبهة بعدائها للنمط الليبرالي المجحف دون أن يكون بديلها له واضح المعالم حقا.
ومواضيع الخلاف اليوم في الشهد السياسي ليست لا بالهينة ولا باليسيرة ولا تتلخص في كل الأحوال في الجدل حول الاسلام وقراءاتنا له…والحديث والسجال والاختلاف وحتى العراك حول كل هذه المواضيع (التربية، الاقتصاد، الجهات ،الشباب إلخ…) هي التي ستثري الطرح السياسي وتمكن المواطن من الاختيار بين هذه البرامج والبرامج الأخرى …
علي الشتوي