اعتدنا أن يكون يوم العودة المدرسيّة يوم عيد فحتّى الحافلات بتونس قد زيّنت هذه السنة بالأعلام… و هل يوجد أحلى من هذه المناسبة ليرفرف علم تونس عاليا بجمع أنهجها و شوارعها؟ و لكن للأسف لم تحتفل مدرسة غرّة ماي ببن عروس هذه السنة بالعودة المدرسيّة. أقسام منعشة بمربيها و أطفالها، ينهلون العلم و أخرى مقفرة، أبوابها موصدة، تنتظر صحوة ضمير معلميها.
لقد قرّر بعض معلمّي هذه المدرسة أن يعلنوا يوم عيد الأطفال عن إعتصامهم الغير الشرعي الذي لا تسانده لا نقابة التعليم و لا وزارة التربية و التكوين. عددهم ستّة من مجموع ثلاثين معلّم بالمدرسة قرّروا أن يجعلوا من هذا اليوم جحيما. لترى بساحة المدرسة أطفال صغار يرتدون ميداعات أنيقة و يحملون محافظ جديدة و لكن عيونهم دامعة و قلوبهم حزينة.
حدّثتهم والدتهم طيلة فصل الصيف عن وجوب الإنصات إلى المعلمة بصفتها أمّ ثانية. حيّوا العلم المفدّى و هم يمنون النفس باستقبال مربيهم و مربّياتهم في قمّة السعادة. بعض التلاميذ حضيوا باستقبال من قبل معلميهم أماّ البعض الأخر فقد صدموا باقتحام معلميهم و عدد قليل من الأولياء المدرسة رافعين لافتات ينّدى لها الجبين و هم ينشدون النشيد الوطني و يتهمون فيها الإدارة بالرشوة و التحرش الجنسي بمن يرتدين اللباس الشرعي. مع العلم أنّ المدرسة تعجّ بالسافرات الشابات و الأرامل اللاتي لم يحظين من الإدارة إلاّ بالإحترام و التقدير.
“أبي/ أمّي ما معنى تحرّش جنسي؟”
مشهد استغرب له الأطفال حتّى أن أغلبهم سألوا أولياءهم “أبي/ أمّي ما معنى تحرّش جنسي؟”. فأصيب هؤلاء الأولياء بالذعر و تمنوا أنّ الأرض قد ابتلعتهم و لم يجدوا من يمتصّوا غضبهم. فتوجهوا إلى المعلمين المضربين باللوم و العتاب مذكرينهم بقول الشاعر:
قف للمعلم و فه التبجيل كاد المعلم أن يكون رسولا
و اتهموهم آنذاك بالتقصير في أداء واجبهم. فكم من وليّ أكدّ أنّ العديد من المعلمين المشاركين في الإعتصام كانوا سببا في حرمانهم من مستلزمات حياتهم اليوميّة بعد أن أجبروا أطفالهم الكبار على الإلتحاق بالدروس الخصوصيّة.
من هنا انطلقت المشاكل
يذكر أنّ وزارة التربية و التكوين كانت قد اتّخذت قرارا تجاه أحدّ المعلمات اللاتي كانت صديقة مع المعلمات المعتصمات بنقلها إلى مدرسة أخرى كعقاب لها على خلفية الشكاوي التي وجهها الأولياء، إذ أكدوّوا أنّها تحدث الأطفال عن التطرّف على حساب حصص الدرس. و هو العقاب الثاني التي توجهه لها الوزارة. و رغم ذلك ساندها المعلمون المعتصمون . أ نسي جميعهم أنّ المدرسة منارة للعلم و ليس محلا لبثّ التطرف الديني و خلق انشقاق بين أبناء الفصل الواحد؟ فكيف لطفل مازال يتابع الصور المتحركة و يجهل تفاصيل هذه الحياة أن يفقه تفاصيل التطرّف الديني ؟ ….
ليجد مدير المدرسة نفسه أثناء عطلة الصيف الماضية مجبرا على البقاء بالمدرسة لمتابعة هذا الملفّ. فمن كان يتصور أن المعلمة تحولت إلى داعية إسلاميّة بمدرسة حكوميّة و ليس مدرسة قرآنيّة؟. و هكذا لم يستمّع المدير كغيره من مديري المدارس بعطلة صيفيّة بل تمتع فقط بخمسة عشر يوم راحة. فالمدرسة ملك عموميّ و قد تعرضت سابقا للحرق خلال مناسبتين. ثمّ إنّ الجميع يشهد بكفاءته و حرصه الشديد على ضمان سير الدروس. فحين زاره المندوب الجهوي للتعليم ببن عروس بالمدرسة، يوم الأربعاء 17 سبتمبر 2014 على الساعة السابعة إلاّ ربع صباحا، وجده منهمكا في العمل.
معلمون يتطوعون من أجل جيل الغد و لكن أين الوزير؟
يتواصل الاعتصام و لكنّ لم يتناسى بقيّة المعلمين أنّ دورهم يكمن في بناء جيل الغد، جيل مثقف و واع حتى يساهم في بناء هذا الوطن الغالي. لذلك قرروا أن لا يحرموا الأطفال من لذة العودة المدرسيّة بعد أن قرر معلموهم الإصرار على هذا الإعتصام الغير الشرعي و تطوعوا لتدريس ساعات إضافيّة. فبسمة طفل اليوم هي شعلة أمل في المستقبل. و أسوأ شيء أن يعيش الطفل صدمة يوم عبده.
لكن لا يمكن للأمر أن يتواصل بل يجب على وزير التربية و التكوين أن يتخذ قرارا صارما حيال هذه القضيّة. و كانت الوزارة قد أمضت فصل الصيف تحقق حول موضوع المعلمة التي نقلها و التي اتهمت المدير بالتحرش الجنسي فاكتشفت زيف أقوالها. ليتساءل المرء كيف لمربية فاضلة ترتدي اللباس الشرعي أن تكذب زورا ؟ … ثمّ ما علاقة الدين و السياسة بالمدرسة ؟ … المدرسة هي أمل المستقبل و إن تعرضت المدرسة إلى الضغط فلا أمل في جيل الغد.
بلاغ