تنطلق الحملة الانتخابية للدورة الثانية للرئاسية يوم 9 ديسمبر بين الباجي قايد السبسي ومنصف المرزوقي بعد أكثر من أسبوعين على نتائج الدورة الأولى وعلى احتدام صخب الخطاب السياسي الذي كاد يتحول إلى مواجهات في بعض الأحيان على خلفية تصريح أو مواقف هذا المرشح أو ذاك…
وتفصح المؤشرات الرقمية لنتائج الدورة الأولى في تصنيفها للناخبين عن انقسام جغرافي اجتماعي يجعل قايد السبسي مرشح العاصمة والمدن الكبرى الساحلية وأغلب مناطق الغرب والوسط، وتجعل المرزوقي مرشح ولايات الجنوب والوسط الغربي …مما جعل بعض المبادرات القريبة من المرزوقي تحاول تحويل المواجهة إلى مواجهة جنوب – شمال مليئة بالمخاطر في بلد لم يتمم استقراره السياسي بعيد الثورة بعد… وزادت خطابات المرشحين المتشنجة أحيانا من حدة المساجلات خاصة مع تعدد وتنوع الارتدادات الإعلامية وارتدادات الشبكة الاجتماعية فايسبوك …
وفي واقع الأمر فإن هذا الانقسام “للجسم الانتخابي” كما يقول المختصون في الشأن الانتخابي ليس غريبا ولا بدعة وهو في عمقه يترجم انقساما للمجتمع التونسي يتعدى شخص المرشحين الباجي والمرزوقي ليذهب في أبعاد التاريخ والجغرافيا والمجتمع في تونس المستقلة وفي تاريخها الحديث …ذلك أن الدولة الجديدة التي أنشأها حزب الدستور ورثت من الزعيم بورقيبة ومن الخلاف اليوسفي حول الاستقلال حدودا لم تفلح أو بالأحرى لم تحاول النخب الحاكمة في عهدي بورقيبة وبن علي تجاوزها…واستبطن أهل الجنوب ومناطق الحرمان الأخرى ملامح التقسيم بين المركز (العاصمة والساحل ) وبين التخوم (الجنوب والوسط الغربي).
وهذه أيضا جغرافيا الفلاقة وجغرافيا اليوسفية التي انبرى المرشح المرزوقي لاستعمالها سابغ عليها نعوتا جديدة من قاموس اللحظة فأصبحت المعركة تارة بين 18 أكتوبر و7 نوفمبر وتارة بين النظام القديم وقوى الثورة وأخرى بين المنظومة القديمة وبين القوى الديمقراطية…ومن هنا كان للرد الذي انتهجه الباجي قايد السبسي والذي اتجه إلى تلافي تعميق الانقسام وانبرى يؤكد أحقية أهل الجنوب أن يكونوا غاضبين مما يعتبرونه ظلما تاريخيا لهم كان لهذا الرد دورا محوريا في فشل استراتيجية حملة المرشح المرزوقي مما حدا بهذا الأخير إلى تغيير شعار حملته في الدورة الثانية والتخلي عن الشعار المتشنج “ننتصر أو ننتصر” الذي استلف من غباغو الايفواري ليصبح الشعار الجديد “تونس تنتصر” وقد أعلن المسؤولون عن الحملة أن هذا التغيير يندرج في باب الدعوة إلى التهدئة والقبول بنتائج الانتخابات مهما كانت…
علي الشتوي