اللحظة فارقة. حتى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد شفيق صرصار لم يتمالك نفسه وهو يتلو قرار الإعلان عن النتائج الأولية للدور الأول للانتخابات الرئاسية صباح الاثنين 22 ديسمبر. اللحظة فارقة وقادمة من غياهب التاريخ ومن وجع الانتظار ومن آلام كفاح شعب تونس منذ سنين.
اللحظة فارقة لنا نحن جيل الاستقلال الذي تربى في عهد بورقيبة الاب المؤسس والذي خرجنا عليه فورا منذ ستينات القرن الماضي وحتى رحيله القسري سنة 1987. كنا قادمين من آفاق كثيرة. من ضواحي المدن وأزقتها ومن تخوم الجهات الغربية التي ظلت على ما ظلت عليه خضراء للغريب وشحيحة علينا…من فقر الجنوب وتصحره ونسيانه و”عسكرته” تماما كما كان يفعل المستعمر طيلة قرون. خرجنا على” المجاهد الأكبر” واصطدنا في “الماء العكر” لأننا أيضا ارتوينا من منابع عدة علمتنا الكرامة والحرية والمساواة ولم نجد في دولة “الحزب الدستوري” شيئا منها. ولأننا كنا نحلم لبلادنا بما يتناسب وما فيها من شموخ وعزة وكبرياء…
اللحظة فارقة يوم الاثنين 22 ديسمبر وتونس تستكمل مسارا انتخابيا دام حوالي 3 أشهر في ثلاث مواعيد وتفرز برلمانا تونسيا ورئيسا منتخبا انتخابا حرا نزيها وديمقراطيا في دورتين كانت المنافسة فيهما على أشدها قولا وفعلا…لحظة فارقة للشهداء الأبرار الذين ضحوا بحياتهم منذ سنين، منذ الشيخ محمد الدغباجي ومنذ فرحات حشاد ومنذ الطاهر الحداد ومنذ سليمان بن سليمان ومنذ الألاف الذين لا نتذكر أسماؤهم ولكننا نتذكر هتافاتهم في 9 أفريل وصرخاتهم في الجبال وفي السهول ووقفاتهم ضد المستعمر وضد الدكتاتورية …
اللحظة فارقة…قد لا تروق في حينها لكل أنصار المنصف المرزوقي وهم كثيرون رأوا في خطابه وفي طرحه درعا لأمال أينعت منذ 17 ديسمبر ورأوا في خصمه إعلانا لانتهاء الثورة واستيلاء فلول الأمس على ألقها …اللحظة فارقة بالرغم عن هذه الرؤية لأنها أكدت خروجنا من عصر الظلمات التي كنا فيها رعايا النظام السياسي وصنيعته إلى عصر نحن نقرر فيه. وحتى إن اخترنا بين السيئ والأسوأ فإننا نحن من سيحمي هامش التصحيح في حينه. ليس من الهين البتة في هذا العالم العربي الذي لم يخرج على حد الساعة من “سقيفة بن ساعدة” ومن ثقافة الاجماع البغيضة وترهات “أهل الحل والعقد” الذين يفتون لنا في كل شيء حتى في طريقة نومنا وإنجابنا للأطفال ليس من الهين الوصول إلى مرتبة المواطن الحر …المواطن الذي صوت يوم الأحد لمن شاء دون خوف وعاد إلى منزله وإلى أولاده دون خوف وخرج للفرحة أو للاحتجاج دون خوف…
تلك هي اللحظة الفارقة…ولن يثنينا عمر الباجي قايد السبسي ولا سيطرة حزب النداء على السلطات الثلاث أن نخرج له تماما مثلما خرجنا لغيره في ديسمبر 2010 وفي أوت 2013 …والأيام بيننا كما قال الرئيس المنتخب الباجي قايد السبسي في أولى مقابلاته التلفزية بعد انتخابه…
علي الشتوي