بينما يتلقى العراق الضربة تلو الأخرى من داعش ومقاتليها على بعد 100 كلم فقط من العاصمة العراقية بغداد بين كر وفر لا يستقر يوما حتى يتبدل من الغد ، هاهي الأنباء تأتينا حزينة من قلعة زينوبيا ، مدينة تدمر التاريخية ، عن اجتياح كامل للمدينة من قبل الدواعش وإسراعهم في قتل ما لا يقل عن 400 من النساء والأطفال الذين لم يتمكنوا من الهرب في حينه…ثم تأتي الصور متتالية عن راية الدواعش السوداء وهي تخفق فوق القلعة الأثرية في تدمر ..
من تشرذم العراق إلى عشائر ومناطق نفوذ سنية وشيعية وكردية في الشمال إلى انقضاض الحوثيين على ما لم يفسده حكم علي عبدالله صالح وحزبه في اليمن الفقير مما أدى إلى تدمير آخر شامل كامل هذه المرة بسلاح السعودية المجيد، ، إلى الخراب السوري الفظيع الذي لم يستطع بالرغم مما ادى إليه من هدم لكل ما راكم هذا البلد من بناء أن يدفع بالعلويين الماسكين بتلابيب الحكم أن يتحركوا قيد أنملة فقط من أجل الحلول الأمثل …
لحظة الفوضى والدمار الشامل هذه لم تنتظر ما سمي بالربيع العربي بل سبقته بعدد من السنوات منذ ذلك اليوم الحزين الذي دخلت فيه قوات الامريكان يوم 9 أفريل 2003 إلى بغداد ..
لن نجانب للحقيقة وندعي ان نظامي صدام حسين وبشار الأسد البعثيين “الاشتراكيين العربيين” اللذين تأسسا على إيديولوجيا كتبها في الخمسينات من القرن الماضي كل من ميشال عفلق ونديم البيطار أثناء سنوات تعلمهما في العاصمة الفرنسية باريس كانا نظامين يمكن أن يدافع عنهما أي انسان حر ..ولكن البلدين مثل غيرهما من البلدان العربية استطاعا مع تعاقب الأنظمة بناء بلد استوعب مواطنيه ووفر لهم البنية التحتية ووفر لهم المدارس والجامعات والثكنات والطرقات والأسواق والمواخير والمقاهي والسجون طبعا وحتى المقابر…
ما هو سر هذا الدمار الكبير الذي لحق بكل المشرق العربي وبجزء من مصر وليبيا والذي يهدد ما تبقى من الدول ويجعلها تضع مقاومة الارهاب في المقام الأول من مشاعلها عوض الانصراف إلى البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمجتمعات يفوق عددها 300 مليون نسمة ما بين الأطلسي وخليج العرب ؟؟؟
لنكون صريحين مع أنفسنا أولا ونقر أن الرابح الأول من تفتيت العراق ومن الربيع العربي حد هذه الساعة ليس سوى اسرائيل التي وجدت نفسها في ظرف أربع سنوات وقد تخلصت من مخاطر أعداء أشداء كانوا ينغصون عليها استفرادها بالقوة العسكرية الضاربة في المنطقة.
فالجيش العراقي الأسطورة ظهر جيشا حزبيا بعثيا محضا وأجهز عليه بول بريمر ليفتح الباب بدراية أو بغير دراية لاحتلال شامل للعراق الشيعي على الأقل من قبل المليشيات الشيعية التي تقودها المخابرات الايرانية بكل وضوح..والجيش العربي السوري الذي لم يسمح له آل بشار بإطلاق رصاصة واحدة منذ حرب 1973 ضد المحتل في الجولان أظهر شطارته في تقتيل السوريين المنادين بالحرية قبل ان يتفتت هو الآخر ويدفع بنظام الأسد للاستنجاد بمليشيات حزب الله والمخابرات الايرانية للبقاء في الحكم أمام زحف بربري لكل من هب ودب في المنظومات السلفية الجهادية…وحتى الجيش المصري العتيد ها هو يقاتل كل يوم فلولا من الجهاديين الذين تسللوا إلى سيناء ويمد يد المساعدة للجيش الاسرائيلي في محاصرته القاتلة لقطاع غزة…
وحتى اليمن السعيد أو ما تبقى منه فإن جنون علي عبدالله صالح بالسلطة وتمسك عائلته الباغية بتلابيبها جعل الحوثيين الذين تغدق عليهم المخابرات الايرانية مئات الالوف من الدولارات يصلون إلى العاصمة ويتحكمون في الشأن اليمن ويطردون الرئيس هادي ويشهرون العداء للجار السعودي الذي لم يستطع السكوت أكثر وقد اندلعت النار في نجران فاضطر إلى لبس القفاز العربي ليجهز على القليل مما بناه الشعب اليمني طيلة 50 سنة من الفقر والعذاب والقات المرير…
السلفيون الذين يدمرون العراق وخاصة سوريا والذين يعيثون في سيناء وفي درنة في ليبيا وفي الشعانبي في تونس يدفع ثمنهم ورواتبهم البترول الخليجي وخاصة السعودي والإماراتي وبالطبع القطري …والحوثيون والمليشيات من فيلق القدس في الانبار وميليشيات حزب الله في سوريا يدفع لهم النظام الايراني العتيد …الامريكان يبيعون السلاح والخبراء والدعم الدبلوماسي والخليج يدفع للأمريكان والروس يبيعون السلاح والدعم الدبلوماسي لسوريا وإيران تدفع أو تقايض ذلك بترولا وغازا في القوقاز ومواقف في المفاوضات النووية …
بتغييرات قليلة في الاسماء وفي الاماكن يعود بنا التاريخ لنهاية الحربين الاولى والثانية وما فعل الانقليز والفرنسيون والأتراك في المنطقة.
والبيدق الوحيد في اللعبة كان ولا يزال ..الشعب العربي ..