لنا صلة جميعا في هذه الربوع بالمدرسة ومعلميها وبرامجها وصورتها ودورها وذكرها وذكراها…ذلك أن مدرسة الجمهورية التي فرضها في حينها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة هي التي صنعت الأجيال من الرجال والنساء التي بنت هذا البلد وجعلته يتحدى فقره وشح موارده وموقعه الصعب بين أشقائه .
ومدرسة الجمهورية (وما استتبعها من تحديث للمجتمع نحن اليوم متمترسون بأركانه أمام زحف الدواعش الظاهرة والباطنة) هي في المحك اليوم مثلما لم تكن أبدا …ونحن جميعا أبناء في المدارس وأولياء وخاصة وعامة من الحضر والبدو ومن الآفاق جميعا متمسكون بحقنا في أن نقول كلمتنا في موضوع اضراب المعلمين حتى وإن لم يعجب ذلك نقابة التعليم الأساسي ورئاسة الحكومة ….
المعلمون والمعلمات هم أهلنا..منهم آباء وأمهات ومنهم أزواج وزوجات ومنهم خالات وعمات وأشقاء وشقيقات يغدون ويروحون ويعيشون ويحيون ويموتون كل يوم وكل ساعة بين ظهرانينا.
نعرفهم ونعرف شح مرتباتهم ونعرف معاناتهم اليومية ونعرف ضمائر بعضهم الكبيرة الكبيرة التي لا ترتضي الحيف ولا تقرب الدروس الخصوصية ولا تتاجر بالبرامج والدروس والتي تعاني امراض النظر والتنفس والظهر وأوجاع الارهاق النفسي والمعاناة اليومية بين أقسام يجتمع فيها أغلب الأحيان أكثر من 35 تلميذا …
نعرف كل هذا ونقر كما يقر الجميع أن عهد بن علي خاصة كان عهدا مظلما وصعبا للمدرسين مع البرمجة الجديدة ونظام الكفاءات العفن والإملاءات التي تأتي من الشعب الدستورية عن طريق المديرين وعن طريق الزملاء التجمعيين (مازال أغلبهم يدرس اليوم ) والاقسام غير المهيئة والضغوطات من الأولياء وظروف العمل الصعبة في الأرياف والقرى البعيدة وحنى في المدن الداخلية منها والساحلية.
نعرف هذا وتقره كما أننا نتفهم لجوء المعلمين للإضراب ومطالبتهم المتكررة بتحسين ظروف عملهم ورواتبهم ومنحهم ولم يلم أحد المعلمين في السنة الماضية عندما لجؤوا للإضراب مرتين كما لم يفت أحد أن يسجل أن المعلمين كانوا آخر من أضرب من القطاعات العمومية ..
ولم يلم أحد المعلمين عندما أضربوا هذه السنة وعندما صعدوا من وتيرة احتجاجاتهم في الثلاثية الثالثة ولكننا كنا نعتقد حتى أخر لحظة أن الامور لا بد أن تصل إلى تفاهمات قد لا تفي بكل المطالب ولكمنها حتما ستحلحل الوضع وتمكن أبنائنا وبناتنا من إجراء امتحاناتهم .
ولكن هذا لم يحصل النقابة العامة للتعليم الأساسي تواصل الإضراب الإداري ووزارة التربية استنفذت ما لديها من صلوحيات في التفاوض فرحلت الملف الشائك غلى رئاسة الحكومة وانتهينا إلى اقرار النجاح الآلي لجميع التلاميذ .
ما ينقده التونسيون اليوم حتى أولائك المدافعين على شرعية المطالب النقابية وضرورة ايجاد حل لها هو هذه الطريقة في التفاوض التي تضع المواجهة في تربيعة الدائرة بثمن باهظ لا تتحمله لا البلاد ولا العائلات ولا التلاميذ ولا النقابة بالطبع وهو خطر السنة البيضاء لجميع التلاميذ في الأساسي .
رئاسة الحكومة لم تأت منكرا بقرار انجاح التلاميذ جميعا ونحن نعرف ونقابة الأساسي تعرف والمعلمون يعرفون أن نسب النجاح في الاساسي ليست بعيدة كثيرا عن المائة بالمائة منذ عهد بن علي وإصلاحه التربوي الأرعن . وما ينقده التونسيون جميعا علاوة على نقص المرونة وانعدام الذكاء في التفاوض مع الوزارة هو غياب موقف توفيقي واضح للقيادة النقابية في أزمة بدا من الواضح أن نقابة التعليم الأساسي لم تعد قادرة على إدارتها لأنها قطعت خط الرجعة .
في هذا الوقت العصيب جدا لبلادنا ومع تفهمنا في الاساس للمطالب التي رفعها المعلمون إلا أنه لا بد من الإقرار أن زمام المبادرة قد ضاع من يد النقابة وهو الآن بيد الاتحاد كقيادة مركزية لأن العودة بعد غد ولأن الملف ما زال عالقا وثقيلا .
النقابيون ليسوا انتحاريين على ما نعلم ووسائل الضغط والتصعيد متوفرة ولكن الامتحانات والعودة المدرسية مسائل لا يجوز البتة لأية نقابة مهما كانت رجاحة مطالبها أن تضعها في الرهان عندما يتعلق الامر بحوالي مليون طفل وطفلة من أبنائنا وبمستقبل البلاد جميعا…