يسمونهم في الغرب “مطلقو الانذار ” (les lanceurs d’alerte ) وهم أولائك الرجال (أو النساء ) الذين يقررون في لحظة شجاعة نادرة وبناء على ما يتوفر لديهم من معلومات مدققة حول خطر يهم الناس جميعا ، يقررون التضحية بكل شيء وأحيانا حتى بحياتهم لفضح مؤامرة أو لتفسير خبر أو لتسمية متورطين في قضية شائكة… ولعل أشهرهم في الآونة الأخيرة الامريكي إدوارد سناودن الذي فضح أجهزة استخبارات بلاده والاسترالي جوليان أسانج صاحب موقع ويكيليكس المشهور…
ومما يضاعف انتشار الانذارات المطلقة من قبل مطلقي الانذار استعمال الشبكات الاجتماعية والانترنيت التي تعمم المعلومة ونوصلها أحيانا في لحظات معدودة إلى الآلاف من الاشخاص عبر العالم …وبقدر ما انتقدنا الشبكات الاجتماعية والمواقع الاخبارية المنتصبة دون رقيب ودون ضوابط على الشبكة إلا أنه لا بد من الإقرار أن لها في انتشار المعلومات دور لم يعد تضاهيه أية وسيلى إعلام أخرى بما في ذلك التلفزيون نفسه…
ولعل الوثائق السعودية المسربة أخيرا من قبل ويكيليكس والتي انتشرت بسرعة فائقة على جل الشبكات دليل آخر على هذا المنحى .فحتى وإن لم نتمكن بالطبع من الاطلاع بعد على ال 70 ألف وثيقة التي يعد بها موقع ويكيليكس إلا أن المسرب منها حد الآن يكفي وحده لفتح ملفات وملفات عدة. ولم ينتظر المبحرون في تونس كثيرا قبل أن يتمكنوا من العثور على البعض من وثائق السفارة السعودية في تونس وأنشطتها وبرقياتها السرية أيام حكم الترويكا وسعيها لاستقطاب الاعلام والإعلاميين إضافة إلى السياسيين والمثقفين من كل صوب. وفي آخر الأمر فإنه ليس مستغربا أن تفعل السفارة السعودية هذا وهو ما تقوم به جل السفارات لفائدة بلدانها ولكن السؤال يتعلق بمدى نجاحها في خلق حلقة ايجابية التعامل معها في تونس ومدى حجم هذه الحلقة وتأثيرها على الرأي العام…
من جهة أخرى مكنت وثائق ويكيليكس من مزيد معرفة الأدوار المشبوهة التي لعبتها وتلعبها دولة قطر في كل من ليبيا ومصر كما أوردت الوثائق تفاصيل جديدة عن استعمال الامارة لقناة الجزيرة في تأدية أدوار مشبوهة في كل من ليبيا وسوريا ومصر… وإن لم يكن هذا أيضا بجديد لدى البعض فإن الجديد هو التوصيف الدقيق وأسماء الشخصيات المتورطة والعلاقات مع اسرائيل والتنسيق الأمريكي …
وبالنظر لكل هذا فإن مطلقي الانذارات مرحب بهم دائما لكسرهم جدران الصمت حول عديد الملفات …كما أن التكنولوجيا الحديثة التي مكنتنا من استغلال شبكات الواصل الاجتماعي وسيلة من وسائل حرية التعبير لا يمكن التفكير في التخلي عنها رغم كل الهنات …