حل الرئيس الفرنسي السابق ورئيس حزب “الجمهوريين” الذي استحوذ على إرث حزب ” الاتحاد من أجل حركة شعبية” نيكولا ساركوزي بتونس يوم 20 جويلية بدعوة من حركة نداء تونس بعد أن كان تحول إلى المغرب في نطاق مساعيه لتثيت زعامته لليمين الفرنسي على مسافة عامين من استحقاقات الرئاسة الفرنسية التي قرر ساركوزي خوضها ضد فرنسوا هولاند حتى وإن لم يكلف رسميا بها على اليمين أين ينازعه الزعامة آلان جوبيه أحد كبار القادة من عهد جاك شيراك…
ولم يتوان عديد التونسيين سواء عبر الشبكات الاجتماعية أو حتى في بعض مواقع الصحف من التعبير عن رفضهم واستيائهم لهذه الزيارة مذكرين بمواقف ساركوزي عشية الاطاحة بالدكتاتورية في تونس ومذكرين أيضا بدوره المحوري في الوضع الليبي الكارثي الذي كان من المبادرين إلى التسبب فيه والذي تعاني منه تونس اليوم أكبر العناء …
وبغض النظر عن هذا كله فإن زيارة الزعيم اليميني لتونس في هذه الظروف تعيد طرح مسألة العلاقات بين البلدين ومسألة حجم التعاون بين فرنسا وتنس في ظرف تكون فيه تونس في أمس الحاجة لمعاضدة الأصدقاء والشركاء الأقرب…ولا يخفى على أحد اليوم أنه بحكم العلاقات التاريخية وبحكم الاختيارات السياسية لبورقيبة ولبن علي من بعده فإن فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول لبلادنا تصديرا وتوريدا وفي حجم المعاملات .
ولكن الجميع يعلم أيضا أن ما قدمته فرنسا لتونس منذ الثورة إلى الآن لا يرقى إلى مستوى هذه العلاقات المتميزة والقرب الكبير سياسيا واقتصاديا. وحتى الصحافة الفرنسية نفسها والمتابعين هناك للشأن الاقتصادي لم يتوانوا عن التشهير بمبادرة الرئيس فرنسوا هولاند عند زيارة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لفرنسا والقاضية بتحويل مبلغ 60 مليون أورو من الديون التونسية إلى تمويل مشاريع…واعتبر الملاحظون أن المبلغ متواضع وأنه لا يرقى لمكانة العلاقات بين البلدين وأن فرنسا كانت تستطيع فعل ما هو أكثر من هذا بكثير …مع لجوء الجميع إلى المقارنة بحجم الدعم الألماني منقطع النظير الذي تحظى به تونس من قبل حكومة المستشارة ماركيل …
ولا شك أن فرنسا كما جل الدول الأوربية تمر بفترة انتكاس اقتصادي كبير وان الحكومة الفرنسية تجابه مشاكل اقتصادية واجتماعية من الحجم الثقيل تغل يدها عن أي كرم تجاه الغير ولكن هذه الوضعية بالرغم من ثقلها لا تفسر كل هذا التردد في الملف التونسي الذي كان يمكن أن يحضى باهتمام أكبر…
وبالطبع فإن العارضة اليمينية وعلى رأسها نيكولا ساركوزي ستحاول خلال زيارة هذا الأخير إلى تونس استغلال هذه الثغرات للوعد بدعم أوسع وأكبر حين عودتها للحكم وربما قبله من خلال شبكاتها ولوبياتها المتغلغلة خاصة لدى رجال الأعمال والمجال المالي . ولكن رغم وجاهة هذا الموقف المنتظر من كل معارضة إلا أن واقع الحال في فرنسا وفي وضعها لاقتصادي يجب أن يحث التونسيين وخاصة منهم القائمين على الشأن الاقتصادي على البحث عن مساعدات وتعاون أكبر مع دول أوربية أخرى (مثل ألمانيا) يمكن أن تكون أكثر نجاعة من الشريك الفرنسي التقليدي سواء كان من اليسار أو من اليمين…