حديث الساعة في تونس يتعلق أيضا بقانون المصالحة الوطنية وهو أول مبادرة تشريعية للرئيس الباجي قايد السبسي مثلما يخوله له الدستور في أحكامه الجديدة المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية …
وقد أثار مشروع القانون هذا سيلا من الانتقادات حتى قبل نشر فحواه ومن بعد ذلك وعند وصول المشروع لمجلس نواب الشعب زادت حدة الانتقادات له كما ظهرت أيضا مواقف أخرى تناصره في بحثه هن الطرق الكفيلة بتحقيق المصالحة مع بعض رجال الأعمال بما يكفل ضخا لنفس جديدي في المناخ الاقتصادي المتصف بالتقلب والجفاف منذ بداية الثورة التونسية في 14 جانفي 2011 …
ونشير في هذا الصدد إلى أن عددا من فعاليات المجتمع المدني قد صعدت من حدة انتقادها للمشروع في المدة الأخيرة هذا علاوة على الموقف الواضح لهيئة الحقيقة والكرامة من فكرة المصالحة الوطنية برمتها…وتعتبر هيئة الحقيقة والكرامة أن مشروع قانون المصالحة الوطنية موجه بالأساس لإجهاض عملها وللالتفاف حول ما جاء به الدستور وللبحث عن طرق ملتوية “لتبييض” بعض رجال العهد السابق والمنتفعين من نظام بن علي وتوفير الاليات لهم للإفلات من العقاب …
وقد أكد التحالف الوطني ضد مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي انشأ للغرض في بيان يوم الجمعة الماضي (21 أوت) رفضه للقانون المقترح معتبرا أنه مضاد لأهداف الثورة وأنه يحتوي على عدة إخلالات علاوة على خرقه للدستور كما أكد التحالف عزمه على تعبئة كل قوى المجتمع المدني والشخصيات الوطنية لمنع المصادقة على هذا القانون والتظاهر إن لزم الأمر في نطاق الاحتجاج القانوني والسلمي …
وقد اتجهت الانظار للحليف الثاني والأهم في المجلس النيابي وهو حركة النهضة لمعرفة حقيقة موقفها من المصالحة الوطنية ولكن الحركة لم تتخذ موقفا رسميا حتى الآن حتى وإن شرعت في تسريب بعض التلميحات والتصريحات لقيادييها والتي في المجمل لا ترفض القانون برمته وإن دعت لضرورة إمعان النظر فيه حتى لا يمكن المتنفذين في عهد بن علي من الافلات من العقاب…
واعتبر احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، أن ” مشروع قانون المصالحة الوطنية يستهدف اضفاء الحصانة القانونية على الانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداءات على المال العام بتحصينه للمنتفعين من الفساد في عهد بن علي واعتبر رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أن مشروع القانون قد اقترح منظومة متكاملة لتحصين الفاسدين من التتبع والمحاكمة والعقاب وضمان الابقاء على بنية النظام السابق الذي لا يمكن -مبدئيا – اخضاع رموزه للفحص الوظيفي أو الاصلاح المؤسساتي.
وربما يبقى لنا أن نتساءل يضيف الرحموني إن كنّا نعي – بعد نجاح التحصين السياسي للنظام السابق عبر الانتخابات والأحزاب التجمعية والحوار الوطني …الخ – الى أي مدى يمكن أن يجرنا إقرار مشروع التحصين القانوني للفساد وكم سندفع من آمالنا وأموالنا وثرواتنا لفائدة الفاسدين والمختلسين و الجلادين؟!”
وقد بدأت مؤسسة رئاسة الجمهورية من جهتها محاولاتها تفسير مقاربة هذه المبادرة التشريعية الرئاسية المثيرة للجدل. فقد صرح محمد الطيب الغزي المستشار في الدائرة القانونية برئاسة الجهورية أن قانون المصالحة لا يشمل بحال من الأحوال الأموال المصادرة كما أكد في لقاء نظم مؤخرا بالعاصمة أن هذا القانون من شأنه تعزيز منظومة العدالة الانتقالية وأنه سوف يدفع الاستثمار ويضفي ديناميكية كبيرة على الاقتصاد الوطني .
وفي الاثناء يشير بعض الملاحظين إلى أن هذا السجال الدائر حول مشروع القانون فيه من اللغو الشيء الكثير لأن فصول القانون لم تتضح بدقة لدى الجميع وأن المواقف المناهضة له فيها الكثير من التسرع , وقد عبرت الدكتورة سلوى الشرفي الاستاذة بمعهد الصحافة عن هذا الموقف في تدوينة على صفحتها بالفايسبوك كاتبة ما يلي : ” هل قرأ المعارضون لمشروع قانون المصالحة نص هذا المشروع بتمعن؟ هل فهموا أن المشروع لا يمس صلاحيات هيأة الحقيقة و الكرامة المعنية فقط بالشكاوي التي ترفع إليها من طرف الخواص في حين أن المشروع الجديد لا يؤطر سوى الحالات المتعلقة بالمال العام ؟ هل يعلمون أن هيأة الحقيقة و الكرامة ممثلة بعضوين في لجنة التحقيق المنصوص عليها في المشروع الجديد؟ و هل يعرفون أن المشروع لا يوقف التتبعات ضد المتهمين بالرشوة و الفساد في الوظيفة العمومية؟ أسئلة أطرحها على المعارضين لمشروع قانون المصالحة و أعتقد أن من واجبهم أخلاقيا توضيح ما يعتقدون أنه يشكل خطرا في هذه الإجراءات على المصلحة العامة أو عرقلة عمل هيأة الحقيقة و الكرامة حتى تكون تحركاتهم مقنعة و مبنية على أسس سليمة و ليس على مجرد ارتسامات و عواطف أو إرادة المعارضة من أجل المعارضة. ”
وفي انتظار الملآلات التي سيعرفها مشروع قانون المصالحة الوطنية خاصة أثناء مناقشته في مجلس نواب الشعب وعلى الساحة العامة فإن المصالحة المرتقبة منه لا تبدو واضحة في الوقت الحاضر…