يخيم على العودة المدرسية لهذا العام العديد من الاشكاليات لعل ابرزها قرار وزارة التربية فى ختام السنة الدراسية الماضية تمكين جميع تلاميذ التعليم الابتدائى بالقطاع العمومى من الارتقاء اليا الى المستوى الاعلى و تداعيات هذا القرار على المثلث التعليمى المعلم والمتعلم والولى وعلى مسار السنة الدراسية الجديدة فى جميع مراحلها.
فى 11 جوان الماضى قرر وزير التربية ناجى جلول تمكين تلاميذ المدارس الابتدائية العمومية من الارتقاء الالى الى المستوى الاعلى ردا على مقاطعة مدرسى المرحلة الابتدائية امتحانات الثلاثى الاخير انجازا واصلاحا وهو ما خلف فراغا وحيرة فى صفوف التلاميذ والاولياء على حد السواء.
وكما كان لهذا القرار وقع ايجابى على البعض خلق مشكلا لدى عدد اخر من الاولياء وكانت نقابة التعليم الاساسى قررت حينها مقاضاة وزير التربية على خلفية هذا القرار.
ولرصد ومتابعة مواقف كل من المعلم والمتعلم والولى لهذا القرار وتأثيراته تزامنا مع العودة المدرسية الجديدة التقت عددا من المعنيين بالامر وسبرت اراءهم بخصوصه.
يقول انيس الغيداوى معلم ابتدائى بالمنار1 ان قرار النجاح الالى قرار لا يخدم مصلحة التلميذ ولا المعلم ولا الولى وهو يتضارب مع الاصلاح التربوى مشددا على ان الشان التربوى هو من مهام المعلم وحده ومن يتناسى دور المعلم فهو يخل بسير المنظومة التربوية.
وتساءل كيف يمكن الارتقاء بالمنظومة التربوية باعتماد الارتقاء الالى لتلاميذ تحصيلهم العلمى والمعرفى فى جميع المواد قليل خلال السنة الماضية وكيف لهذا التلميذ ان يستقبل مستوى اعلى فى حين ان مكتسباته لا ترتقى اليه ملاحظا ان المنظومة التربوية هى عبارة عن سلسلة من المعارف يتم اكتسابها بالتدرج دون الادنى فالحد الادنى فالمتوسط ثم الجيد واشار الى ان هذا القرار لم يراع مصلحة التلميذ ولا المنظومة ككل بل هو مجرد شعارات ترفع لخدمة شان سياسى لا تربوى .
واعتبر ان نتائج هذا النجاح الاصطناعى ستكون وخيمة فى السنوات القادمة حسب تقديره معلقا بالقول كيفما تكن مدرستنا اليوم يكن شعبنا غدا 0 ولفت الغيداوى الى ان افتقار المعلمين المنتدبين موخرا الى الاليات البيداغوجية للسيطرة على الصعوبات التعلمية والتعليمية وعدم تلقيهم تكوينا اكاديميا فى علوم التربية وعلم النفس وزيارات المرافقة البيداغوجية التى تكاد تكون منعدمة وتواصلهم مع هولاء التلاميذ المرتقين اليا لن يزيد الوضع الا تازما والمستوى التعليمى المستقبلى الا تقهقرا وانحطاطا فى السنوات القادمة.
ورأت المربية عائشة بالمدرسة الابتدائية الامل بمنوبة أن النجاح الالى خلف عدم ثقة لدى التلاميذ بجدوى انجاز الاختبارات فى حد ذاتها مشيرة الى ان الامتحان هو المحك والمقياس لتمييز قدرات التلميذ وخلق نوع من المنافسة بين التلاميذ المتفوقين وحتى مع من دونهم مستوى لبلوغ درجات التفوق والتميز.
وتساءلت عن مصير البرنامج الدراسى السنوى الذى لن يكون على الوجه الاكمل حسب تقديرها باعتبار ان البرنامج الدراسى المتكون من وحدات ومحاور محدد بزمن لانجازه حسب توازيع ثلاثية وشهرية وسنوية.
واضافت ان المعلم ستعترضه فى ظل اقرار النجاح الالى عديد الصعوبات اذ سيستقبل فى نفس الفصل تلاميذ من مستويات تتباعد كثيرا فى عديد الحالات حيث سيكون هنالك المتميز والمتوسط والاقل من المتوسط والضعيف وهذه التركيبة ستدفع المعلم نحو طريقين احلاهما مر.
وفسرت قولها بأن المعلم الذى ان حاول العمل مع الممتازين واكمال محتوى البرنامج الدراسى فان باقى التلاميذ لن يتمكنوا من التحصيل العلمى والمعرفى المطلوب.
وان حاول العمل بمستوى التلميذ الضعيف فهو لن يتمكن من اتمام البرنامج ويخلف بعض المحاور التى تبنى عليها برامج السنة الموالية وهذا من شانه ان يوثر سلبا على التحصيل العلمى خلال السنوات الدراسية الموالية حسب تقديرها.
من جهته اعتبر مصطفى الفرشيشى رئيس الجمعية الوطنية للاولياء والمربين ان قرار الارتقاء الالى يعد خرقا صارخا للنصوص القانونية الجارى بها العمل والمتصلة بالارتقاء عن طريق الاسعاف وهو ايضا من القرارات الارتجالية والمتسرعة لما قد يترتب عنه من سلبيات واضرار بالمستوى التعليمى للتلميذ والموسسة ولفت الى ان هذا القرار وان كانت نتائجه بالنسبة الى بعض السنوات الاولى والثالثة اقل خطورة الا انها بالنسبة لباقى السنوات الاخرى الثانية والخامسة تعتبر كارثية حيث سيواجه التلاميذ المرتقون الى المستوى الاعلى العديد من الصعوبات والعوائق.
وشدد على ان القرار من شانه ان يوثر على نفسية التلميذ المجتهد الذى قد يشعر بخيبة امل واحباط قد ينعكسان سلبا على مردوديته خلال السنة الدراسية الجديدة.
وأضاف قائلا حتما سيوثر القرار أيضا على مصداقية الموسسة التربوية والتزامها وجديتها داعيا سلطة الاشراف والنقابات الاساسية للتعليم بجميع اصنافها الارتقاء بمستوى الحوار بما يجنب مزيدا من التوتر والخلاف حسب قوله.
ان قرار النجاح الالى فاقم تردى وضعية المدرسة العمومية الذين وصفوه ب السىء وأكدوا ان هذا القرار سيزيد مهمتهم الصعبة تعقيدا خلال السنة الدراسية الجديدة.
وصرحت امنة وهى ولية لاحد التلاميذ بالقول صحيح ان القرار أنصف بعض التلاميذ وأسعد اخرين ممن كانوا على حافة الرسوب الا ان ذلك لا يمكن ان يخفى خطورة تداعياته على الناشئة فى المستقبل وعلى المدرسين الذين سيجدون انفسهم فى قسم مستوياته التحصيلية متفاوتة مما يعسر عملية ابلاغ المعلومة للجميع 0.
واضافت شخصيا لولا يقينى ومعرفتى بالمستوى الحقيقى لابنى فى ان يكون فى القسم الاعلى لطلبت رسوبه واعادة السنة حتى يكون تحصيله العلمى فى مستوى يمكنه من متابعة دراسته دون مشاكل .
ورأت أنه كان بامكان وزارة الاشراف ان تسمح بارتقاء التلاميذ الذين تحصلوا على المعدل خلال الثلاثى الاول والثانى دون سواهم واقرار اعادة السنة بالنسبة الى من لم يتمكنوا من الحصول على المعدلات التى تخول لهم الارتقاء الى المستوى الاعلى خدمة للمنظومة التربوية وتماشيا مع اهداف الاصلاح التربوى الذى يسعى الى الارتقاء بالمستوى التعليمى.
من جهته شدد الولى احمد على انه سيتقدم خلال ايام الترسيم بطلب لادارة مدرسة ابنه لتمكينه من اعادة السنة يقينا منه بأن موهلات ابنه لا تمكنه من متابعة المستوى الذى ارتقى اليه الخامسة ابتدائى خاصة وأن ابنه لم يتمكن من حضور ومتابعة دروس السنة الدراسية الماضية لتكرر غيابه بفعل المرض من جهة وبسبب تعدد الاضرابات من جهة اخرى.
واستنكر أحمد ما بلغته المنظومة من اهتراء وتراجع حسب تعبيره مقارنة بما كانت عليه فى السابق داعيا الى ضرورة الاسراع باصلاح المنظومة واعادة المكانة للقطاع العمومى الذى قال انه طالما كان مفخرة تونس التى انفردت بتطبيق شعار مدرسة مجانية واجبارية . من جهته دعا نور الدين الشمنقى كاتب عام النقابة العامة لمتفقدى التعليم الابتدائى الى ضرورة التفاعل مع الواقع الحالى فى اشارة الى قرار الارتقاء الالى.
ونادى فى هذا الاطار بمضاعفة التكوين لاسيما خلال الثلاثى الاول لمحاولة التدارك ودعم تكوين المعلمين وخاصة المنتدبون الجدد منهم فى مجال تشخيص الواقع لرصد أنساق التعلم واعتماد مقاربة التفريق البيداغوجى لمعالجة كل النقائص والصعوبات المترتبة على هذه العملية.
ووجه الشمنقى دعوة الى سلطة الاشراف ورئاسة الحكومة قصد التعجيل بحل الاشكاليات العالقة مع نقابة التعليم الاساسى والاستجابة لمطالبهم من اجل التهيئة لمناخ اجتماعى مستقر ولتفادى اى اشكالات من شانها ان تزيد وضع المعلم والتلميذ والولى تازما.
اما كوثر حباسى المختصة فى التدريب التربوى والاستشارة النفسية المدرسية فقد بينت ن الارتقاء الالى الذى طالما عانت منه المنظومة التربوية فى تونس خلال السنوات العشر الماضية لم يخلف سوى فجوة فى التكوين والتحصيل العلمى والمعرفى لدى الناشئة واثر كثيرا على نوعية التعليم لديهم مقارنة بالاجيال السابقة.
وتابعت تقول لقد غاب اليوم لدى الناشئة التميز والابداع وسيطر عليهم نوع من الذكاء المحدود والخمول والتكلف الفكرى معتبرة ذلك نتيجة حتمية لمجموعة الاخطاء البيداغوجية التى طبعت المنظومة التربوية الوطنية طيلة الفترة الماضية.
واعتبرت أن قرار الارتقاء الالى أزم الوضع اجتماعيا ونفسيا واحدث شرخا داخل العائلة ووتر المجتمع وهز صورة المعلم وخلق نوعا من الاضطراب لدى الطفل تجاه منظومة القوانين وهو ما سينجر عنه حسب تقديرها عنف نفسى واجتماعى وادارى عند التلميذ وعدم احترام القوانين 0 وشددت حباسى على ان هذا القرار قد كسر جدار الاحترام القائم بين التلميذ والمعلم الذى يساعد الاسرة فى تنمية مهارات الطفل وقدراته متسائلة كيف لجيل ينشأ على عدم احترام وتطبيق القوانين ان يسير دواليب البلاد غدا 0 ودعت الى ضرورة الكف عن التدخل السياسى فى الشان التربوى واحترام صورة المعلم وعدم زعزعتها الى جانب ترتيب الاولويات فى القطاع وتقوية الرقابة لتطوير القطاع وتشديد العقوبات وتكثيف الجزاءات لتحفيز المدرس على مزيد العطاء.
من جانبه قال كمال الحجام مدير عام المرحلة الابتدائية بوزارة التربية ان قرار الارتقاء الالى كان استثنائيا لاستثنائية الظروف وقتها لكن الوزارة التزمت لدى اتخاذها هذا القرار بتخصيصها بداية السنة الدراسية فترة زمنية لتنفيذ خطة دعم بيداغوجية لفائدة التلاميذ الذين يشكون صعوبات فى بعض المواد لتمكينهم من اكتساب المعارف الضرورية التى تخول لهم مواصلة التعلم فى ظروف طبيعية.
وأفاد بأن الادارة العامة للمرحلة الابتدائية وبالتنسيق مع التفقدية العامة لبيداغوجيا التربية والادارة العامة للبرامج والتكوين المستمر ستعقد جلسة عمل اولى لضبط هذه الخطة البيداغوجية التى أطلق عليها اسم خطة الدعم والعلاج وتحديد مقتضيات اجراءاتها العملية.
واضاف ان الادارة العامة للمرحلة الابتدائية ستنظم مباشرة بعد الجلسة يوما دراسيا يدعى خلاله متفقدو المدارس الابتدائية المنسقون فى الجهات لتقديم تحديدا نهائيا لمعالم الخطة الخاصة بالدعم والعلاج ويتولى المتفقدون بعدها اعلام زملائهم فى الجهات خلال مجالس التفقد لتنفيذ الخطة عمليا بالاقسام تحت اشراف المتفقدين وبتوفير المرافقة البيداغوجية الضرورية للمدرسين.