مختار اليحياوي يغيب فجاة ..والموت الفجاة رحمة للمؤمن – وقد عاش عمره كذلك – لكن كيف هو للاحياء ؟ لاسرته.. لاهله.. لنا نحن.. ولجميع احبائه ؟.
لم يكن قد جهز نفسه للرحيل ولا نحن كنا مستعدين للوداع . لكن الله تعالى اراد لقاءه !
مختار كيف ترجلت الى الموت دون ان نستكمل قصتنا وكيف سكت قبل ان نتم الحديث ؟
لست ادري كيف ابدا كلامي وما حسبت انك ستصمت ؟
مختار هل جمعت اوراقك وهل رتبت افكارك لتحكي لنا رواية” القاضي المتمرد”؟
وكيف صرخت – وانت ترمي برسالتك في وجهه – لتعبر له عن سخطك و رفضك” للاوضاع المريعة التي ال اليها القضاء التونسي. وكيف يعاني القضاة من
حصار رهيب ويعاملون باستعلاء وتداس كرامتهم وتسلب ارادتهم وكيف استولى بعضهم على المجلس الاعلى للقضاء وكيف تاجروا بالولاء لتكريس الخضوع والتبعيّة”.؟
لم تكن تعلم وقتها ان رحلة العذاب في “جمهورية الموت “ستدوم عقدا كاملا ما بين ثورتك الى ثورة الشعب (2001-2011)وان عزلك في اخر يوم من سنة 2011 لم يكن كافيا لكسر قوتك .لم يدركوا وقتها ان الاضطهاد لن يفت في عضدك وان سجنك داخل السجن لن يزيدك الا اصرارا
كم تحملت وكم هم جبناء. هل تحكي لنا كيف انك لم تخضع من اجل استقلال القضاء للاهانات و الضغوطات و للمراقبة المستمرة وللتعدي على مراسلاتك وللتنصت على مكالماتك ولمنعك من السفرومنعك من الكتابة؟
هل تذكرلنا معاناة اسرتك ومراقبة ابنائك و الاعتداء عليهم وكيف توفي ابن اختك زهير اليحياوي تحت التعذيب؟
وهل تحكي لنا كيف خاطرت بحياتك- مع عدد من المناضلين – باعلان اضراب عن الطعام يوم 18 اكتوبر 2005 بعد مصادرة مقر جمعية القضاة التونسيين و تنصيب هيئة صورية على راسها ومنع انعقاد المؤتمر الوطني للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومؤتمر نقابة الصحافيين التونسيين مع تواصل اعتقال المئات من المساجين السياسيين. ؟
هل تقص علينا كيف حولتك الايام والليالي – في ظرف اربع سنوات- من ذلك القاضي الهادئ ثم المتمرد الى اشرس المعارضين المدافعين عن حقوق الناس؟ هل فاجاتك الثورة وانت احدافرادها ؟ وهل تذكرظروف اجتماعنا بهيئة المحامين بعد يومين من فرار المخلوع لنرفض في بيان مشترك بين القضاة و المحامين أسلوب المناورة والإقصاء وكل عمل من شأنه تمرير بقاء النظام السابق ونؤكدعلى مقومات النظام الجمهوري واعتبار السلطة القضائية طرفا أصليا في ضمان استمرارية الدولة؟
كم انت وفي وكم انت صادق لم تنافق و لم تداهن حتى اختارك الله فجاة من غير امهال ولا اخطار ليكون نضالك في الدنيا نورا بين يديه فلا تجد اثرا لالم الموت و سكراته .