“عندما افوت حلقة، اشعر فعلا باني مريضة، لقد بات الامر كالمخدر”، هكذا تؤكد احلام، احدى المدمنات على مشاهدة المسلسلات التركية. هذه الموظفة الشابة وام لطفلين، لا ترى ضيرا في قضاء ساعات طوال في مشاهدة العشرات من حلقات المسلسلات التركية، حالما تتحرر من اعمالها الروتينية اليومية.
“اكتشفها على القنوات التلفزية، لكن ومن اجل ربح الوقت، ابحث عنها على شبكة الانترنات”، هكذا تتحدث المراة الشابة بكل بساطة . وتتابع بابتسامة عريضة “ما يجلبني اكثر هو الديكورات خاصة وجمال الممثلات والممثلين والملابس الانيقة والعصرية (حسب الموضة)”.
في صالون حلاقة صغير بباب العسل (وسط العاصمة تونس)، تتابع الحريفات اعادة بث حلقات سابقة لاحد هذه المسلسلات على جهاز تلفاز صغير مركز على الحائط، تقريبا دون تعليقات ودون تبادل اي حوار. اميرة، ابنة صاحبة الصالون، تقر بان حكايات المسلسلات مليئة بالاحداث غير المنتظرة تشد اهتمامها . وتقول بشيء من اللامبالاة “اذا شعرت بالملل من مسلسل، اتابع آخر” .
المسلسلات التركية متوفرة لكل الاذواق
ويبدو، ان، النساء وربات البيوت المحبطات واللاتي تشعرن بالسأم، لسن الوحيدات المواضبات، كل مساء، في نفس التوقيت، على الجلوس امام اجهزة التلفزيون لمتابعة الاحداث في المسلسلات وحكاياتها الطويلة التي لا تنتهي.
وتجذب المسلسلات المحبوكة بعبق المشاعر الجياشة والحب الافلاطوني، احيانا، الشباب والكهول، رجالا ونساء، بيد ان هؤلاء الاخيرات هن الاكثر استسلاما للاحلام والاوهام، حسب احصائيات مكتب “سيغما كونساي”.
وبلغ عدد مشاهدي مسلسل “رغم الاحزان” الذي بث على قناة “حنبعل” بين ديسمبر 2015 و مارس 2016، زهاء المليونين و 150 الف مشاهد، اي ما يمثل حصة مشاهدة في حدود 7ر66 بالمائة .
وشاهد مليون و 520 الف شخص، خلال نفس الفترة، مسلسل “وادي الذئاب ” في اعادة بثه على نفس القناة. ورغم ان المسلسل، تتم اعادة بثه للمرة الثالثة ( بث على قنوات اخرى) الا انه استاثر بنسبة 40 بالمائة من المشاهدة.
وتابع المشاهدون، خلال نفس الفترة، على قناة “نسمة” مسلسلا تركيا اخر تحت اسم “قلوب الرمان” ، الذي تمت دبلجته باللهجة التونسية وبث بين جانفي ومارس 2016 وتابعه حوالي مليون و 890 الف شخص. وساهم اقبال التونسيين على المسلسلات في دفع سوق الاشهار، السمعي البصري.
وبدا هذا التاثير واضحا منذ انطلاق بث هذه المسلسلات اين تختلط الفتنة والدراما الاجتماعية، ووجدت سوق الاشهار التي جابهت نوعا من التراخي بعد الثورة، جرعة اوكسجين.
سوق اعلان متنامية
قدر حجم سوق الاشهار خلال فترة عرض المسلسلات التركية 571ر28 مليون دينار سنة 2015. واستقطبت قناة “نسمة” التي عرضت في برمجتها خارج شهر رمضان مسلسل “حريم السلطان” لوحدها، بزهاء 712ر25 مليون دينار مقابل 849ر2 مليون دينار لقناة “حنبعل”.
وارتفعت عائدات الاشهار، خلال الثلاثي الاول من سنة 2016 ، الى 088ر13 مليون دينار. فيما رفعت “حنبعل” حصتها من عائدات الاشهار خلال فترة عرض المسلسلات التركية الى اكثر من 9ر4 ملايين دينار مقابل 1ر8 ملايين دينار لقناة “نسمة” .
ويرجح ان تكون هذه القنوات، التي واجهت صعوبات منذ افتتاحها سنة 2011، قنوات حديثة، قد وجدت في المسلسلات التركية متنفسا، واعتبر المدير العام لمجموعة “سيغما” انه بامكان القنوات التلفزية التونسية ولاسيما الخاصة منها، مضاغفة عائداتها ….الاشهارية بفعل المساحات الاشهارية التي توفرها خلال شهر رمضان….
المسلسلات التركية سبب التهافت على تركيا
وتجاوز تأثير المسلسلات التركية سوق الإشهار، إذ أصبحت تركيا، منذ عرض النسخة العربية للمسلسل التركي “نور” في سنة 2008، مقصد اغلب التونسيين وكذلك السياح القادمين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فقد أضحي هذا البلد، الذي طالما مثل الوجهة المحبذة “لتجار الشنطة” التونسيين التي يسافرون إليها دون تأشيرة ، وجهة التونسيين، حسب سها ميلاد، كاهية مدير شركة الأسفار المنازه .
واعتبرت “أن مسلسل نور هو الذي ولد لدى المشاهدين في منطقة الشرق الأوسط ، هذا الإعجاب بالوجهة السياحية التركية ” مشيرة الى أن المنزل الذي تم فيه تصوير جزء من أحداث هذا المسلسل أصبح فضاء يؤمه السياح بتذكرة دخول ب50 دولار.
وبينت المسؤولة أن وكالة الأسفار التي تديرها تؤمن زيارة قرابة 2000 سائح تونسي نحو تركيا سنويا، وان 80 بالمائة من رقم معاملاتها يتأتي من هذه السوق. وقد حققت وكالة الأسفار “المنازه” خلال سنة 2015 أفضل مبيعات نحو السوق التركية علما وان 180 ألف تونسي قد سافروا إلى تركيا (اسطنبول) على متن الخطوط التركية .
وفى الوقت الذي تجاهد فيه السياحة التونسية من اجل استعادة حيويتها ونسقها العادي فان السياحة في تركيا شهدت طفرة خلال سنوات 2000 ليمر عدد الوافدين إليها من 23 مليون زائر سنة 2007 إلى 39 مليون شخص خلال سنة 2015، حسب إحصائيات المنظمة العالمية للسياحة.
وقد وجدت السوق التركية، التي خسرت السياح الروس بسبب الخلافات الدائرة في سوريا، البديل في أسواق الشرق الأوسط، حسب المسؤول التركي الناشط في مجال الأسفار الذى لم يفصح عن اسمه مقرا بان المسلسلات التركية تمثل أداة اشهارية هامة.
وقد أمنت المسلسلات التركية، التي غالبا ما تكون نهايتها مفتوحة لشد المشاهد لمتابعة الاجزاء الموالية، للدولة مداخيل بقيمة 250 مليون دولار سنة 2015
المسلسلات التركية تخلق منافسة غير شريفة مع الانتاج الدرامي الوطني
وتعد المسلسلات التركية، إلي جانب ما توفره من مداخيل مالية هامة، وسيلة لنشر والترويج لثقافة هذا البلد وريث الإمبراطورية العثمانية.
والسؤال المطروح هنا “لماذا لا يتم تطويرصناعة مماثلة لخدمة الثقافة فى تونس” ، الامر الذى اعتبره المخرج التونسي والمدير الفني لمهرجان الفيلم المغاربي بنابل، أنيس لسود، صعبا منتقدا في نفس الوقت المنافسة غير الشريفة التى تخلقها القنوات التلفزية التونسية ولاسيما الخاصة منها التي لا تتحلى بروح الوطنية.
“فهذه القنوات التي تخير اقتناء المسلسلات التركية ثم دبلجتها بكلفة منخفضة نسبيا في حدود 200 ألف دينار للمسلسل الواحد، بدل المساهمة في إنتاج مسلسل تونسي قد تصل كلفة إنتاجه الى حوالي المليار وهو ما يعتبر مبلغا عاديا ومقبولا، حسب رايه”.
ولكن ما يدعو للقلق، حسب قوله، هو “أن القنوات التلفزية التونسية لم تفكر أبدا في الاستثمار في الثقافة المستديمة التي تساهم في نشأة وتكوين الأجيال القادمة والمحافظة على صورة البلاد”.
واعتبر “أن التونسيين سيواصلون هدر هذه الفرصة التي يمكن ان تساهم في اشعاع صورة تونس في الخارج فلا مد التعاطف الذي تحظى به ولا كونها مهد ثورات الربيع العربي، كانا كافيين، حتى الان، لتحقيق ثروة ثقافية فى البلاد، حسب لسود.