اعتبرت السجينات الشابات بسجن النساء بمنوبة، على هامش حوار مجتمعي جرى مساء اليوم الخميس بإشراف وزيرة شؤون الشباب والرياضة، ماجدولين الشارني، أن المجتمع كفيل بأن يصنع منهن مجرمات وإن كنّ بريئات زلّت بهن القدم ودفعن ثمن ذلك عقوبات مطولة قلبت حياتهن رأسا على عقب”.
ولئن تباينت العقوبات واختلفت التهم ونوعية القضايا التي تورطت فيها السجينات فإن همهن المشترك بات ما بعد السجن وماذا ينتظرهن خارجا من معاملة سيئة ومن نظرة اعتبرها مدير عام السجون والإصلاح، في كلمة ألقاها على هامش الحوار، دونيّة ومحطمة أثرها أشد بأسا على السجينات، إذ تتنكر لهن عائلاتهن هربا من الفضيحة فتستقبلهن الطرقات والجريمة بكل أنواعها بالترحاب وينطلقن في رحلة ضياع جديدة مع أيادي الإجرام تعيد الكثير منهن إلى السجن حتما، وفق تعبيره.
السجينات عبّرن، خلال الحوار الذي جرى بحضور، والي الجهة احمد السماوي والمندوب الجهوي لشؤون الشباب والرياضة عبد القادر بومخلة ومدير عام السجون والإصلاح صابر الخفيفي، عن مشاغلهن وتطلعاتهن ونظرتهن للمجتمع وانتهين الى أصل الداء في تجاربهن وهو أن السجون أحيانا تكون قضبانها وسجانوها أرحم من أحضان أقارب قساة القلوب سواء كانوا آباء أو أقارب من الدرجة الثانية.
“سوار” ذات الـ 22 عاما أصيلة أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة تقضي عقوبة سنة سجن من أجل استهلاك مادة القنب الهندي وهي ترى أنه لا أمل لها ولا مستقبل، وأوضحت خلال الحوار أنها “مسجونة من أجل استهلاك المخدّرات وأنها قد تعود ثانية من أجل الترويج “. كما لا همّ لـ”ثريا” المعينة المنزلية التي تعرضت للحرق في منزل مؤجرها وانقلبت حياتها رأسا على عقب سوى أن تستعيد ثقتها بنفسها وتقطع مع المسار المليء بالمعاناة, ولا شغل يشغل سميرة التي تعرضت للاغتصاب في عمر الطفولة وتزوّجت من مغتصبها وتحولت تحت ضغطه إلى صاحبة سوابق في عالم الدعارة، سوى تحررها من “جلاّدها” في المجتمع الكبير وتستعيد طفلها وتعول على نفسها ..
روت السجينات مخاوفهن من “الغد الغامض الغارق في الظلام”، مركزات على وقائع مريرة تعلقت بمعاملة عائلاتهن ونبذهن من المجتمع، قد تصل إلى اطلاق سراحهن أحيانا اخر الليل ليواجهن الظلام والطرقات الفارغة عاجزات عن ايجاد مأوى وقتي لهن قبل الوصول إلى مصالحة مع عائلاتهن قد تطول.
وحملن المسؤولية للدولة في إيجاد استراتيجية لاندماجهن وإعادتهن الى طريق الجادة مع مساعدتهن على استغلال الحرف والمهارات التي تعلمنها داخل ورشات السجن للانتصاب لحسابهن الخاص خاصة أمام تضاؤل فرص تشغيلهن والمعاملة التي يتعرضن لها كلما استعرضن بطاقة السوابق العدلية المعروفة ببطاقة عدد 3 .
وأكدت وزيرة شؤون الشباب والرياضة، في تصريح لـ(وات)، أن مسار الحوارات المحلية التي انطلقت يوم 1 اكتوبر الماضي وتتواصل الى 13 نوفمبر الجاري لامس قطاعات متعددة، على غرار مؤسسات التكوين المهني والتربوي والجامعي من مبيتات وأحياء جامعية وشباب المقاهي ومراكز الفتاة الريفية ونوادي التنشيط الريفي، إضافة إلى سعيها الى تشريك شباب السجون، علما أنه تم تسجيل حوالي 20 ألف تدخل الى حدود موفى اكتوبر الجاري و 702 منبر حوار من جملة 1360 منبرا مبرمجا في الاطار.
وتفاعلا مع وضعيات السجينات بينت الوزيرة أن السجينات هن مواطنات ومن واجب وزارة شؤون الشباب والرياضة أن تضع لهن استراتيجية لإعادة الاندماج وتساعدهن عبر حلول عاجلة على البناء لحياة جديدة، مؤكدة على ضرورة العمل ضمن سياسة تشاركية مع المجتمع المدني خاصة والتفكير في إحداث مركز إيواء وتأطير والإسهام في تأطير المسرحات.
وأضافت أن الوزارة ستسعى عبر مختلف هياكلها ومندوبياتها إلى الاسهام في الإحاطة وتطوير المواهب ودعم الانشطة الرياضية والترفيهية في المؤسسات السجنية وأنها أذنت حال معاينتها للفضاء الرياضي داخل سجن النساء بتوفير مختلف التجهيزات الرياضية اللازمة للسجينات والعمل على تهيئة الفضاء المخصص للأنشطة الرياضية .
ومن جانبه أكد مدير عام السجون والإصلاح صابر الخفيفي أن سجن منوبة يؤم حوالي 370 سجينة، ستون بالمائة منهن شابات، معتبرا أن مشكلهن الأكبر هي صدمة الخروج من وراء القضبان والتسريح وأن حاجتهن الأكبر باتت الرعاية اللاحقة وتوفير فضاء إيواء ومرافقة وقتية لحمياتهن من الشارع ومن صعوبات العودة إلى أحضان العائلة التي غالبا ماتنبذهن، وفق تعبيره.
وأكد في هذا السياق أنه وجه النداء إلى 17 الف جمعية ناشطة بالمجتمع المدني بتونس في أكثر من مناسبة قصد توفير فضاءات لاستقبال السجينات حال تسريحهن ورعايتهن الى حين المصالحة مع أفراد عائلاتهن ومحيطهن الاجتماعي، لكن المجتمع المجني ظل بعيدا عن مسؤولياته تجاه هذه الفئة، وفق تقديره.