للمرة الثالثة عشرة في تاريخه والثانية عشرة على التوالي يشارك المنتخب التونسي في بطولة العالم لكرة اليد التي تستضيف فرنسا نسختها الخامسة والعشرين من 11 الى 29 جانفي الجاري في ثمانية مدن هي باريس وماتز ونانت والبرفيل وروان وفيلنوف داسك ومونبيلييه وبريست.
واذ يتبادر الى الذهن ان المنتخب التونسي حافظ على تواجده في المونديال بصفة منتظمة منذ دورة ايسلندا 1995، فان الصورة لا تبدو مشرقة بالشكل الذي يتخيله البعض بالنظر للمستوى الذي ظهر به في بعض الدورات لتبقى اقصى طموحاته مقتصرة على بلوغ الدور ثمن النهائي.
وتبقى دورة 2005 التي استضافتها تونس على ارضها اهم محطة عرفتها كرة اليد التونسية على الاطلاق بفضل جيل قاده المدرب الصربي سعد حسن افنديتش عانق الروعة ونحت ملحمة خالدة باحرازه المركز الرابع وهي افضل نتيجة يحرزها منتخب افريقي في تاريخ المسابقة معادلا بذلك انجاز المنتخب المصري الذي سبقه اليه عام 2001.
وبالعودة الى بداية الرحلة مع بطولات العالم، يتعين الرجوع بالذاكرة الى عام 1967 في دورة السويد حيث انطلقت فصول القصة وكان المنتخب التونسي على موعد مع حقيقة اكتشاف المستوى العالي بعدما مني بثلاث هزائم متتالية أمام الدانمارك (6-27) وتشيكوسلوفاكيا (10-23) وفرنسا (7-16) ليتحصل في نهاية المطاف على المرتبة 15 قبل الأخيرة.
بعد هذه المشاركة المخيبة، دخلت كرة اليد التونسية في سبات عميق تواصل على امتداد 28 سنة كاملة وعلى مدار 7 بطولات عالمية متتالية لتبقى تنتظر الى غاية دورة ايسلندا 1995 وظهور جيل موهوب بقيادة الاطار الفني سيد العياري وسعيد عمارة.
خلال هذه الدورة، فاجأ المنتخب التونسي الجميع وحقق خلال الدور الاول انتصارين هامين على كل من الولايات المتحدة الامريكية (24-17) والمجر (25-24) فيما انقاد الى 5 هزائم ليصعد الى الدور ثمن النهائي ويقف بندية في وجه العملاق الكرواتي وصيف الدورة بهزيمة استقرت على فارق هدف واحد 28-27 بعد تمديد الوقت.
وشكلت هذه الدورة البداية الحقيقية لكرة اليد التونسية على المستوى العالمي، ليصبح المنتخب دائم الحضور في المونديال.
وشكلت دورة اليابان 1997 فرصة متجددة لكسب مزيد من الخبرة والاحتكاك بالمنتخبات العالمية. ونجحت العناصر الوطنية انذاك في كسب رهان التاهل الى الدور ثمن النهائي بعد انتصارين على البرتغال (19-18) والبرازيل (17-15) مقابل 3 هزائم أمام كل من اسبانيا ومصر وجمهورية التشيك قبل ان يتوقف المشوار على يد المنتخب الروسي (14-20) ليتحصل الفريق على المركز 16 ويتراجع مرتبة واحدة مقارنة بالمشاركة السابقة.
وجاءت اثر ذلك دورة مصر سنة 1999 لتكون شاهدة على تطور كرة اليد التونسية بعدما ظهر المنتخب بوجه مشرف اهله الى احراز المرتبة 12 في الترتيب النهائي. ولاول مرة في تاريخه توفق المنتخب التونسي في انهاء الدور الاول بمجموع 5 نقاط من فوزين على الأرجنتين (23-19) والجزائر (23-20) وتعادل مع المغرب (23-23) مقابل هزيمتين أمام اسبانيا والدنمارك غير ان حلم بلوغ الدور ربع النهائي تبخر امام البلد المستضيف بعد الخسارة امام المنتخب المصري بمجمع الصالات بالقاهرة امام جماهير فاق عددها 25 الف متفرج (22-24).
ومنذ تلك الدورة، كبرت طموحات المنتخب التونسي ولم يعد يكتفي بالمشاركة لمجرد المشاركة بل اصبح يرنو لتحقيق مراتب متقدمة. وفعلا نجح في بطولة فرنسا 2001 في تحسين تصنيفه بحلوله في المرتبة العاشرة وهو أفضل ترتيب حققه المنتخب خلال مشاركاته خارج تونس ودخل به قائمة العشرة الاوائل.
كما تمكن المنتخب التونسي من تحسين رقم اخر خلال هذا المونديال يتمثل في تحقيقه لاول مرة ثلاثة انتصارات على النرويج (28-19) وسلوفينيا ( 28-23) والسعودية (22-21) مقابل خسارتين امام روسيا (بطلة العالم) (20-23) وأوكرانيا (18-24) لكن المسيرة توقفت من جديد عند عتبة الدور ثمن النهائي بعد الهزيمة امام المانيا بصعوبة (24-26).
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيع الجميع المواصلة على نفس المنوال ومزيد تسلق سلم الترتيب العام، فاجأ المنتخب التونسي الجميع بتراجع ادائه ونتائجه في دورة البرتغال عام 2003 ليكتفي بالمرتبة الرابعة عشرة في اعقاب مشاركة مخيبة عصفت بالاطار الفني سيد العياري بعد 3 بطولات عالمية متتالية.
وفي هذا المونديال لم يقدر المنتخب على الفوز سوى على منتخبين عربيين متواضعين هما المغرب (28-24) والكويت (29-20) مقابل 5 هزائم ضد كل من بولونيا ويوغسلافيا واسبانيا وألمانيا والبرتغال.
وفازت تونس بشرف احتضان دورة 2005، فكانت الاستعدادات في مستوى الحدث وسعى الجميع الى تامين كافة اسباب نجاح المنتخب من خلال التعاقد مع المدرب الصربي سعد حسن افنديتش وتمكين زملاء الصحبي بن عزيزة من ظروف التحضير الملائمة الى جانب تشييد قاعة مغطاة برادس بطاقة استيعاب تفوق 10 الاف متفرج.
وعاش الجمهور التونسي خلال هذه النسخة لحظات خالدة حقق خلالها لاعبو المنتخب الوطني أفضل ترتيب في سجل كرة اليد التونسية باحراز المركز الرابع. وللمرة الاولى ينهي المنتخب الدور الاول دون هزيمة بعد الفوز على انغولا (39-23) وكندا (42-20) والدنمارك (25-22) مقابل تعادلين مع فرنسا (26-26) واليونان (27-27) ليتصدر مجموعته بمجموع 8 نقاط.
وتابعت العناصر الوطنية تالقها في الدور الرئيسي بتغلبها على تشيكيا وروسيا بنفس النتيجة 36-25 وتعادلها مع سلوفينيا 26-26 لتحتل المركز الاول وتضرب موعدا في المربع الذهبي مع “الماتادور” الاسباني المتوج لاحقا باللقب. ورغم الصمود الذي ابداه المنتخب التونسي فانه لم يتمكن من تفادي الخسارة (30-33) ليلعب النهائي الصغير امام فرنسا التي حسمت المواجهة بفارق هدف واحد (25-26).
واحرز وسام حمام خلال هذه الدورة لقب افضل هداف بمجموع 81 هدفا واختير ضمن التشكيلة المثالية للمونديال.
وللاسف لم تتمكن كرة اليد التونسية من استثمار هذا النجاح في دورة المانيا 2007 بعدما تقهقر الى المركز الحادي عشر بفوزين في الدور الاول على الكويت (34-22) وغروينلاند (36-20) وخسارة امام سلوفينيا (27-34) قبل ان تتوالى الهزائم في الدور الرئيسي امام كل ايسلندا (30-36) وألمانيا (28-35) وبولونيا (31-40) وفرنسا (26-28).
وتواصل التراجع خلال دورة كرواتيا 2009 التي عجز خلالها المنتخب تحت قيادة الصربي زوران زيفكوفيتش عن الترشح الى الدور الثاني بعد 4 هزائم متتالية امام مقدونيا وألمانيا وروسيا وبولونيا مقابل فوز يتيم على الجزائر ليكتفي بخوض منافسات كأس الرئيس التي فاز خلالها على الأرجنتين والسعودية والبرازيل مقابل خسارة امام مصر ليكون الترتيب النهائي هو المركز السابع عشر.
وشهدت بطولة العالم الموالية بالسويد نهاية جيل سنة 2005 بعدما تواصل الانحدار في مشاركة كانت استثنائية بسبب الاوضاع التي كانت تعيشها تونس في نفس فترة اقامة المونديال خلال شهر جانفي 2011 مما اثر على مردود اللاعبين وشتت تركيزهم.
وأنهي المنتخب هذه الدورة في المرتبة 20 بعد الخسارة في الدور الاول امام فرنسا (19-32) واسبانيا (18-21) ومصر (23-27) وألمانيا (36-26) مع انتصار وحيد على حساب البحرين (28-21) ليتحصل على المركز الخامس ضمن مجموعته ويخوض المباريات الترتيبية من اجل الحصول على المركز السابع عشر التي خسر خلالها امام النمسا (25-26) ورومانيا (29-30).
وفي اسبانيا 2013 لم تكن طموحات المنتخب كبيرة بحكم سياسة التشبيب التي تم انتهاجها لكن وائل جلوز ومصباح الصانعي وعبد الحق بن صالح وكمال العلويني واسامة البوغانمي حققوا مفاجآت بالجملة وتمكنوا من العبور للدور الثاني بفضل نتائج باهرة بعد الاطاحة بالمانيا (25-23) ومونتينيغرو (27-25) والأرجنتين (22-18) مقابل عثرتين امام فرنسا (27-30) والبرازيل (22-27) ليصعدوا الى ثمن النهائي في المركز الرابع بما فرض عليهم مواجهة الدنمارك متصدرة المجموعة الثانية لتنتهي المغامرة اثر الهزيمة (23-30) مع مركز 11 اكثر من مشرف.
واتسمت المشاركة الاخيرة في مونديال قطر 2015 بالتذبذب على مستوى النتائج تحت اشراف المدرب الفرنسي سيلفان نويي. وكالعادة نجح المنتخب في التاهل الى الدور ثمن النهائي بعد ان حل في مرتبته المفضلة الرابعة برصيد 5 نقاط من فوزين على ايران (30-23) والبوسنة والهرسك (27-24) وتعادل امام النمسا (25-25) مقابل خسارتين امام مقدونيا (25-33) وكرواتيا (25-28) ليكون الخروج اثر ذلك في الدور ثمن النهائي امام اسبانيا (20-28).