“داليدا” صاحبة الحنجرة الذهبية التي غنت بالعربية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والهولندية والتركية وغيرها من اللغات، فتصدرت أغانيها قائمات أفضل عشر أغنيات في العالم، تلك الفنانة التي سحرت العالم بقوامها الممشوق ورشاقتها الجذابة وشعرها الذهبي، وتلك الإنسانة المفعمة بالحب والحياة والمحاطة بالحزن والموت، استعادها عشاق الفن السابع، مساء أمس الجمعة بقاعة سينما المركز الفرنسي بتونس، من خلال فيلم يحمل اسمها ليعرض بتونس لأول مرة بعد أن استقبلت عرضه الأول القاعات السينمائية بفرنسا منذ أيام فقط (يوم 11 جانفي 2017).
تذاكر الفيلم نفذت فيما اصطف عدد كبير من محبي الفن السابع مطالبين بمشاهدة الشريط الذي حضروا لأجله مما دفع المشرفين على المعهد الفرنسي بتونس لبرمجة عرض ثان بعد التاسعة ليلا نزولا عند رغبتهم، أمام تشوقهم وعدم قدرتهم على الانتظار ليوم الاثنين لمشاهدة هذا الفيلم الذي من المبرمج أن يعرض مرة أخرى يوم 23 جانفي الجاري بالفضاء نفسه.
الشريط الذي دام أكثر من ساعتين، صور جانبا من حياة الفنانة داليدا المثيرة والغامضة انطلاقا من محاولتها الأولى للانتحار بعد شهر من انتحار خطيبها المغني الإيطالي لويجي تينكو، الذى حلم بأن تدعمه داليدا ليدخل عالم النجومية ويصبح فنانا مشهورا، لكنه فشل فى مشاركته فى مهرجان سان ريمو لسنة 1967 رغم أنها حرصت على تقديم أغنية معه لتجبر لجنة التحكيم على اختياره. لويجي أقدم على الانتحار فى أحد الفنادق، وكانت داليدا أول من رأى جثته مخضبة بالدماء.. هذه الحادثة شكلت منعرجا في حياة داليدا، الحورية الغامضة.
تناول الفيلم حياة الفنانة بعد الشهرة، وعرج بين الحين والحين على بعض فصول حياتها الأولى التي قضتها في مصر وفرنسا قبل أن تتحول إلى أسطورة عالمية، ليجسد رحلة انتقال “داليدا” بين الظل والضوء، ويكشف في الآن ذاته عن الشهرة التي تصنعها كشافات الإضاءة والحزن الذي يؤرق النجوم، مشيرا إلى الدوافع التي قادت داليدا إلى الانتحار يوم 3 ماي 1987.
تميز شريط داليدا للمخرجة ليزا ازويلو، وهي كاتبة ومنتجة فرنسية من أصول مغربية، بعدة نقاط مضيئة من أهمها جودة التصوير السينمائي والموسيقى التصويرية التي جاءت متلائمة بدقتها وعمقها مع مراحل حياة الفنانة العالمية فكان لها نصيب هام في التأثير على المشاهدين الذين تابعوا بكل تركيز أحداث الشريط الذي استغرق إعداده حوالي أربع سنوات وتصويره 52 يوما.
متعة المشاهدة كانت مضمونة في هذه اللوحة السينمائية من خلال تقنيات بصرية راوحت بين الإضاءة الخافتة والقوية لخلق تناقض فني جميل بين الضوء والظلام اختارته مخرجة الشريط التي لم تعتمد في السرد على تسلسل زمني للأحداث بقدر حرصها على تصوير الأماكن التى عاشت وأقامت فيها داليدا، وذلك لإضفاء الواقعية على مشاهد الفيلم.
وتقمصت دور داليدا عارضة الأزياء الإيطالية سفيفيا ألفيتي، التي اقتنصت الدور من نجمات عالميات لتقدم أداء يليق بالفنانة يولاندا كريستينا جيليوتي المشهورة باسم داليدا.
الفيلم يضم عددا كبيرا من الممثلين لتجسيد أدوار الرجال الذين ارتبطت بهم داليدا خلال مراحل حياتها المختلفة، ومن بينهم مدير محطة إذاعة أوروبا، لوسيان موريس الذي فتح لها أبواب الشهرة، وعاشت معه داليدا قصة حب مثلت حديث الوسط الفنى فى باريس وظلا خلالها مخطوبين لمدة أربع سنوات دون زواج وكان يقال عنهما “المخطوبان الدائمان” إلى أن قررا فى النهاية الزواج، ولكن داليدا انفصلت عنه بعد أشهر قليلة لأنها وقعت فى حب الرسام الشاب جان سوبيسكي. موريس انتحر مطلقاً النار على نفسه بعد فشل زواجه الثانى واستحالة عودته لداليدا حبه الأول، وقد لعب دوره في الفيلم الممثل جان بول روف.
الممثل اليسندرو بورجى قدم دور لويجى تيكو، الذي صدمت داليدا لانتحاره هو الآخر، إلى درجة أنها حاولت الانتحار بعد شهر بجرعة زائدة من المخدرات فى باريس. أما شخصية لوسيو الشاب الذى أحبته بقوة فيلعب دوره الممثل برينو بلاسيدو. ويضم الفيلم مجموعة من الممثلين الآخرين منهم ريكاردو سكامارسيو فى دور أورلاندو مدير أعمالها، وباتريك تيمسيت وفانسان بيريز ونيكولا دوشوفال ونيلز شنايدر ومايكل كوهن…
شريط داليدا شكل باختصار وسطا جماعيا رائعا ساهم فيه الصوت والصورة والموسيقى والأضواء والتصوير السينمائي والمونتاج وحتى المؤثرات البصرية والسيناريو، ليعرض قصة هذه الفنانة التي ظل شبح الانتحار يطاردها وجعل حياتها عبارة عن تراجيديا مرة انتهت بانتحارها بعد أن تركت رسالة تقول فيها “الحياة باتت لا تحتمل، سامحوني”.