أقرت الدولة لفائدة معتمدية الحنشة من ولاية صفاقس مشروعين تنمويين واعدين يشملان عديد الأوجه التنموية الاقتصادية والاجتماعية قابلهما احترازات من عديد مواطني هذه المعتمدية ذات الخمسين ألف ساكن على صدقيتهما وجديتهما بسبب ما يعتبرونه “تكرر الوعود الكاذبة تجاه منطقتهم المهمشة قبل الثورة وبعدها”.
أما المشروعان فيتمثلان بحسب ما أكده معتمد الحنشة سامي مليكي لمراسل “وات” – اتثناء لقاء جمعه بعدد من متساكني المنطقة- في مشروع للتنمية الفلاحية المندمجة بكلفة مالية تصل إلى 67 مليون دينار ستنتفع به قريبا الحنشة إلى جانب معتمديتين أخريين بولاية صفاقس هما بئر علي بن خليفة ومنزل شاكر.
المشروع الثاني يشمل الوسطين الريفي والحضري معا .وتقدر استثماراته بعشرة ملايين دينار وهو يندرج في إطار تمويل من الصندوق العربي للإنماء.وقد انطلقت منذ نحو أسبوع الجلسات التحسيسية مع مكونات المجتمع المدني لمعتمدية الحنشة لتقديم مقتراحاتها بخصوص تحديد مجلات تدخل هذا المشروع ولا سيما الخدمات الصحية والاجتماعية والربط بالشبكات ودعيم الأنشطة الانتاجية والصناعات التقليدية وغيرها.
وبخصوص المشروع الأول المتعلق بالتنمية الفلاحية المندمجة والممول من البنك الإسلامي للتنمية سيشكلةوفق تاكيد معتمد الحنشة نقطة تحول مهمة في حياة المعتمدية حيث استوفى كل الاجراءات القانونية وصادق عليه مجلس نواب الشعب مفيدا بان نصيب الحنشة منه هو 22 مليون دينار ستصرف في تحسين وضع المسالك الفلاحية وتجهيز عدد من الآبار واقتناء معدات فلاحية والتشجيع على تربية المواشي بمختلف اختصاصاتها (أبقار وأغنام وأرانب ونحل..).
ويواصل المعتمد الحديث عن المشروع مبينا أنه يشتمل كذلك على تدخلات لفائدة التكوين والإرشاد الفلاحي وتأهيل المناطق السقوية العمومية والخاصة في كل من وادي الرقة والرحاحلة والحلالفة وغيرها من المناطق ذات الطابع الريفي الفلاحي.
وفي حين يؤكد المعتمد على أن الانطلاق في التنفيذ الفعلي لمكونات هذا المشروع لن تتأخر وتبقى فقط رينة تشكيل لجنة قيادة مشروع من قبل رئاسة الحكومة وتشكيل لجان تسيير على المستوى الجهوي والمحلي يتمسك عدد من المواطنين برأيهم في أن ذلك لا يعدو أن يكون حلقة أخرى من مسلسل التسويف والمماطلة والخطابات والوعود الرسمية التي سئمت منها المعتمدية كغيرها من المعتمديات المنسية وفق ما ورد فب تصريحات لعدد منهم لمراسل “وات ” بالجهة.
ويقول في هذا الاطار رشدي فرحات وهو شاب في العقد الثالث من عمره يعمل في القطاع الفلاحي :”لا ثقة لدي في السلط العمومية التي لا تأتي إلا بالوعود الكبيرة الواهية كيف لا وهي عاجزة اليوم حتى على تزويدنا ببعض الأدوية الفلاحية التي نحتاجها في أنشطتنا الزراعية او على تعبيد وتهيئة بعض المسالك الفلاحية الوعرة التي تحول دوننا ودون مستغلاتنا التي نرتزق منها”.
ويمضي رشدي في تفسير موقفه والتعبير بمرارة عن فقدان الثقة في المصالح العمومية: “حتى الآبار التي نحفرها بجهودنا الخاصة لإحياء الأرض والارتزاق منها تمنعنا السلطة الفلاحية والمحلية من استغلالها بدعوى أنها عشوائية فلا تتركنا نعمل ولا تقدم لنا البديل. كيف تريد أن لا يخيب طننا في هياكل الدولة”.
هنا يتدخل المعتمد ليدعو رشدي ومن خلاله كل صغار الفلاحين الذين يعانون من وضعيات مشابهة ويقدر عددهم بالعشرات في الحنشة لوحدها إلى تقديم مطالب إلى المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بصفاقس عبر المعتمدية بغاية تسوية وضعية آبارهم مذكرا إياهم في ذات السياق بالتراتيب القانونية والرخص التي تخضع لها عملية حفر الآبار. ولكن كلمة “رخص” أججت غضب الفلاحين المحيطين بالمعتمد بدل تهدئتهم.
عم محمد اسماعيل فلاح مسن لم يكن أقل غضبا وامتعاضا. فهو من متساكني وادي الرقة حيث المنطقة الأثرية ولم يستسغ عدم استكمال تعبيد الطريق الى التجمع السكني الذي ينتمي إليه وإلى منطقته الفلاحية دون أن تكلف السلط المحلية ولا سيما وحدة التجهيز والإسكان في الحنشة عناء تسخير الآلة الماسحة لفتح الطريق بما يسمح بالتنقل وحمل المحصول الفلاحي إلى الأسواق.
النقاش بين المعتمد ومجموعة الفلاحين وبعض أبنائهم الصغار الذي هبوا إلى المكان بدافع الفضول وحب الاكتشاف والاطلاع على مواقف لم يعهدوها في ريفهم المنسي والمتروك لحاله بين أن الآلة الماسحة التي كانت فيما مضى تطل على التجمعات الريفية لتمسح الطريق وتفك عزلتها قد هرمت وأصابها العطل بشكل متواتر ومزمن دون أن يعني ذلك شيئا لأصحاب القرار جهويا ومركزيا.
حى المنطقة الأثرية التي تنتصب في تخوم منطقتهم ضمن ما يسمى بالمسلك الأثري الروماني “باراريس-وادي الرقة-بطرية-أكولا” لم تجلب لمتساكني هذه المناطق المعدمة سوى مزيدا من التعطيلات بدل الاستفادة من قيمتها الثقافية والسياحية لأنها بقيت دون توظيف ولفها النسيان من السلط الثقافية.
“منعوني من بناء مسكن يحميني ويحمي عائلتي في أرضي التي أملكها وحددوا من نشاطي الفلاحي بسبب إمكانية وجود بعض الآثار حسب زعمهم” هكذا صرخ شاب آخر من شبان وادي الرقة وهو يستشيط غضبا ويحمل مسؤولية نكبته الجميع ولا سيما المسؤولون الذين يطلون عليهم بين الفينة والأخرى دون أن يمكنوهم من حل في مجابهة مشكل المنع والقانون الذي يصدمهم به حارس المعهد الوطني للآثار عند أول ضربة مسحاة في أدنى حضيرة للبناء بحسب قوله.
فيض الإشكاليات لا ينتهي في الحوار بين معتمد الحنشة الذي كان على درجة من الهدوء والأهالي الغاضبين المتشائمين بمستقبل منطقتهم في ظل الرؤية السلبية التي تستبد بهم عن السلط العمومية رؤية صار معها الاعتقاد جازما بأن السلط ليست في خدمتهم .
دليلهم في ذلك أن مشاكلهم المتفاقمة: تواصل غياب التشجيعات الفلاحية، تعطيل لأنشطتهم الزراعية والمعمارية بسبب الآثار المهملة، نقص في الموارد المائية، مسالك فلاحية غير مهيأة، أطفال يعانون من بعد مسار النقل الريفي، انعدام للأمن في ظل السرقات التي تطال أمتعتهم ومواشيهم المهددة حتى بالذئب الذي ينال منها نصيب من وقت لآخر دون ان يتمكنوا من حمايتها في زريبة لا حق لهم في تشييدها.
مشاكل بالجملة قد يحمل المشروعان الجديدان بصيص أمل في حل جزء منها على الأقل في هذه المعتمدية وغيرها من المعتمديات المهمشة وفي تغيير رؤية المواطنين للسلط من خلالها. قد يحصل ذلك بعد أولى المكونات الفعلية للمشروع التي تحتاج إلى دفع قوي من المصالح المعنية مركزيا وجهويا ومحليا تصير معها الوعود واقعا ملموسا.