مصطفى بن جعفر يحمّل النخبة السياسية مسؤولية تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد بعد الثورة

حمّل رئيس المجلس التأسيسي سابقا، مصطفى بن جعفر، النخبة السياسية، مسؤولية تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد بعد الثورة، معتبرا أن “الطبقة السياسية لم تعط هذه اللحظة التاريخية (الثورة) القيمة التي تستحق”، “وهو ما كان بالإمكان تجسيمه في حكومة مصلحة وطنية في 2011)، وفق تقديره.
جاء ذلك في لقاء حواري انتظم بعد ظهر الاثنين بقصر المعارض بالكرم حول “الانتقال الديمقراطي الحصيلة والآفاق: حرقة الأسئلة في زمن الحكم”، على هامش الدورة 33 لمعرض تونس الدولي للكتاب، وأداره الأستاذ عادل الحاج سالم، وشارك فيه وزير المالية السابق في حكومة مهدي جمعة، حكيم بن حمودة، والمؤرخ فتحي ليسير.
وبيّن مصطفى بن جعفر خلال هذا اللقاء، أن إصداره بالفرنسية “الطريق العسير نحو الديمقراطية”، وهو مؤلف ورد في شكل حوار مع الصحفي الفرنسي، فانسون جيسار، كان مناسبة للكشف عن عدة حقائق للعموم، تتعلّق خاصة بالحزب الاشتراكي الدستوري، وبالعمل النقابي، متحدثا عن تأسيس نقابة الأطباء الجامعيين سنة 1979، بالإضافة إلى بعض تفاصيل الأحداث التي تلت الثورة.
واعتبر رئيس حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، أن “التوافق الذي قامت عليه حكومة الترويكا خلال الفترة الانتقالية الأولى، جاء نتيجة وضع استثنائي كانت تمر به البلاد، وإعداد دستور جديد يستجيب لتطلعات التونسيين”، نافيا في هذا السياق أن يكون التشارك في الحكم مع حركة النهضة، تحالفا معها، بالمعنى السياسي.
ولاحظ بن جعفر أن الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، عرفت “تركيزا مفرطا على مسألة الهوية، التي أخذت حيزا هاما من الزمن، مما حجب المشاكل الحقيقية للبلاد”. وأضاف قائلا “كان يفترض ترك الصراعات الحزبية جانبا، والاهتمام بكتابة الدستور، وهذا خطأ من الأخطاء التي وقعنا فيها”.
وعلّق على الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس حاليا، بالقول إن هذه القضايا لم تجد صدى لها لدى السياسيين، مما “زعزع ” الثقة بينهم وبين المواطنين، وفق تعبيره، مضيفا أن الحوار غاب عن السياسيين بخصوص المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مقابل بروز ظاهرة الحديث عن “الهوية” من جديد.
ومن جهته، تحدث وزير المالية الأسبق في حكومة مهدي جمعة، حكيم بن حمودة”، عن رؤيته للمسار الانتقالي بتونس، من خلال مؤلفه “يوميات وزير في المرحلة الانتقالية”، معتبرا أنه حاول من خلال هذا الكتاب الصادر عن دار محمد علي للنشر سنة 2016، تقديم مادة خام للمؤرخين حول موضوع الانتقال الديمقراطي في تونس.
وأوضح أن الكتاب يروي الجانب الذاتي لشخصه عند تقلده منصب وزير المالية، مشيرا إلى أنه حاول التطرق إلى ظروف عمل حكومة مهدي جمعة بعيدا عن “التمجيد”، مستعرضا محدودية تجربة حكومة التكنوقراط وضعف السند السياسي لها، والذي كان، في نظره “أكبر عائق واجه عملها”.
ولئن ثمّن المؤرخ، فتحي ليسير، الأعمال التي أصدرها كل من بن جعفر وبن حمّودة، فإنه لاحظ، في المقابل، أن السياسيين في تونس لا يكتبون مقارنة بنظرائهم في كل من مصر ولبنان. وأشار إلى أن إصدارات السياسيين يُفترض أن تكون غزيرة بعد الثورة، بعد أن كانت علّتهم التضيق على الحريات قبل 14 جانفي 2011.
وفي تعليقه على تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، استنادا إلى ما قدمه كل من مصطفى بن جعفر وحكيم بن حمودة، قال فتحي ليسير إن حكيم بن حمودة تحاشى نقد حكم الترويكا، لكنه ألمح إلى التركة الاقتصادية التي خلفّتها الترويكا للحكومة التي خلِفتها، كما أكّد على “بؤس الفكر الاقتصادي” لدى الطبقة السياسية.
أما بخصوص ما استنتجه من كتاب “الطريق العسير نحو الديقراطية” لمصطفى بن جعفر، فقد لاحظ فتحي ليسير كثافة مصطلح “التوافق” مع حركة النهضة وليس “التحالف” معها، مما يقيم الدليل على أن بن جعفر يشدّد على التشارك في الحكم بين التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحركة النهضة.
واعتبر أن حادثة اغتيال محمد البراهمي في صائفة 2013، تستحضر للتونسيين فترة 1955 و1956 لما كانت البلاد وقتها على مشارف حرب أهلية بين شقيْ الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف. وأضاف أن لتونس صورتان متباينتان: الأولى خارجية تعتبر تونس أنموذجا في نظر الدول الديمقراطية، أما الصورة الثانية، فهي صورة داخلية تعكس منظور التونسي “التعيس” بعد الثورة.
تجدر الإشارة إلى أن إدارة الدورة 33 لمعرض تونس الدولي للكتاب، قد أعدّت برمجة تتعلّق بمحور “الانتقال الديمقراطي: الحصيلة والآفاق” وسيتم التطرّق إليها من زوايا عدة، من بينها التيارات السياسية الدينية، والإعلام والديمقراطية، والإسلام والراديكالية، والاحتجاج الاجتماعي.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.