أدى غياب المختصين في البرامج التي يتم فيها طرح المواضيع الجنسية بصفة عرضية (خاصة برامج تلفزيون الواقع)، إلى التركيز على جانب الإثارة من خلال التعرض لجوانب قد تمس من الحياة الخاصة للمشاركين في هذه البرامج، وفق ما جاء في تقرير لوحدة الرصد التابعة للهيئة العليا للاتصال السمعي ال بصري ” الهايكا”.
وأشار التقرير الذي قدم بعض نتائجه اليوم الجمعة، المقرر بالهيئة شوقي السعيداني، خلال ورشة عمل حول التناول الاعلامي للمواضيع الجنسية، إلى أن اللغة أو “الألفاظ” المستعملة في بعض البرامج التي تم رصدها ، تحيل إلى أن الغرض منها ليس فهم الحالات المعروضة وتحليلها، بل الإثارة.
كما تعرض التقرير إلى ما وصفه “الإطناب في التطرق لبعض التفاصيل المتعلقة بالعلاقات الجنسية مثلا” ، وإصرار مقدمي بعض البرامج على معرفتها والتي لا تفيد أحيانا في فهم الحالة أو معالجتها أو تقديم النصح لها ويمكن أن تمثل إحراجا للمشاركين بالإضافة إلى وجود بعض الاخلالات المتعلقة بنشر مقاطع فيديو “صوت وصورة” من البرامج الاذاعية التي تتطرق للمواضيع الجنسية، متعلقة خاصة بالكشف عن هوية المشاركين وهو ما يؤدي إلى انتهاك الحياة الخاصة أو وصما أو تشهيرا بالأشخاص.
أما بالنسبة إلى البرامج المختصة، فتمّ حسب التقرير ملاحظة وجود مختصين في علوم الجنس والنفس والاجتماع وذلك ما يساعد مقدمّي البرامج على تأطير الحالات التي تُعرض وتقديم النصح وفقا للشروط العلمية اللازمة.
ولاحظ التقرير أن حرية التعبير ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 التي أخرجت الجنس من باب المحظورات الإعلامية لتنقله إلى واجهة التداول في وسائل الإعلام الجماهيرية، أدى إلى انتشار عدة برامج (إذاعية خاصة) تهتم بالمواضيع الجنسية إلى جانب تواتر تناول هذه المواضيع خاصة في البرامج الاجتماعية (برامج تلفزيون الواقع نموذجا).
وتوصل التقرير إلى أن المواقع الالكترونية الرسمية للمنشآت السمعية والبصرية تعد أهم إطار لتناول المواضيع الجنسية (غالبا في شكل مقالات إخبارية) تتعرض لقضايا متعلقة خاصة بالعنف الجنسي (الاغتصاب، التحرش، زنى المحارم …)، تليها القنوات الإذاعية نظرا لتعدد البرامج المختصة في تناول المواضيع الجنسية إلى جانب البرامج التفاعلية التي تتطرق إلى مسائل متصلة بالجنس في أحيان عديدة لتحل القنوات التلفزية أخيرا من حيث المساحة المخصصة للمواضيع الجنسية نظرا لغياب البرامج المختصة في ذلك.
ولاحظت عضو الجمعية التونسية للطب الجنسي، الطبيبة النفسانية المختصة في الطب الجنسي، ايناس دربال، أن من أهم الإخلالات التي تم رصدها في التناول الإعلامي للمواضيع الجنسية عدم التثبت في هوية ومؤهلات الخبراء الذين يتم الاعتماد عليهم في تحليل المواضيع ذات الصلة مؤكدة أن الاستئناس بآراء أشخاص غير مؤهلين يؤدي حتما إلى تداول أفكار مغلوطة عن الجنس والحياة الجنسية لها تأثيرها السلبي على الرأي العام، يصعب لاحقا إصلاح ما تسببت فيه.
ومن بين المشاكل التي تحدثت عنها دربال في تناول القضايا الجنسية، عدم الدقة في استعمال المصطلحات التي قد تكون أحيانا خاطئة تماما أو عامية لا تمت للاصطلاحات العلمية بصلة، إضافة إلى عدم احترام الحياة الخاصة وسرية هوية ضحايا الاعتداءات الجنسية الذين يتم تمرير صورهم أو صور أمهاتهم بما ييسر عملية التعرف على الهوية الحقيقية لهم.
ولاحظ كاتب عام الجمعية التونسية للطب الجنسي، كريم الشريف، أن مناخ حرية التعبير فتح المجال لتناول مثل هذه المواضيع بأكثر جرأة مما تسبب في عدة مشاكل وفي تناول غير سليم حتى في حضور الخبراء، مؤكدا على ضرورة تعديل الأوتار في التطرق لهذه المواضيع.
ولاحظ رئيس الهيئة النوري اللجمي خلال مداخلته أن طرح موضوع ??التناول الإعلامي للمواضيع الجنسية?? من الحاجة بمكان لتقييم كيفية هذا التعاطي من جهة، والسعي للخروج بتوصيات لتحسين التناول الإعلامي للمواضيع الجنسية والقيام بالتعديل الذاتي صلب المؤسسات الاعلامية التي يستوجب عليها احترام الأخلاقيات المهنية ومبادىء العمل.
وأبرزت عضو “الهايكا” راضية السعيدي ضرورة العمل، في إطار الحرص على التعديل الذاتي، وبالتعاون مع هياكل المجتمع المدني المعنية بالموضوع، على وضع ميثاق للتناول الإعلامي للمواضيع الجنسية على غرار المواثيق التي تم وضعها سابقا للتناول الإعلامي للقضايا الإرهابية أو قضايا المرأة.
واعتبر عضو الهيئة، هشام السنوسي، أن حرية الرأي مطلقة وحرية التعبير لها نظم يجب احترامها وأن التعديل الذاتي يهدف إلى ضمان حرية التعبير والالتزام بقواعد ومبادىء ممارسة هذه الحرية، داعيا إلى وضع ميثاق أخلاقي يتلاءم مع المواثيق الدولية لأخلاقيات المهنة الصحفية ووضع قواعد توجيهية لتناول مثل هذه المواصع على أن تترتب عنها التزامات.
وذكر أن كراس شروط احداث المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية تنص أساسا على ضرورة عدم المس من كرامة الذات البشرية واحترام حقوق الشخص المتعلقة بحياته الخاصة وشرفه وسمعته وعلى عدم بث شهادات من شأنها أن تهين الأشخاص وشهادات الأطفال والفئات الهشة فضلا عن عدم استغلال مأساة الأشخاص في البرامج التلفزية وعدم ربط بعض الحوارات بأي تنازل عن الحقوق الأساسية خاصة الحق في الحفاظ على الحياة الخاصة.
وتحدثت الكاتبة العامة للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين سكينة عبد الصمد عن دور المجلس الأعلى للصحافة في تنظيم “البيت الصحفي من الداخل” وفق توصيفها، معتبرة إياه الاطار الأمثل لتوفير التعديل الذاتي وحماية القطاع من الانفلاتات ورصد التجاوزات والنظر في المخالفات.
وأبرزت المختصة في علم الاجتماع، فتحية السعيدي، ضرورة إلمام الصحفي بتقنيات التطرق إلى موضوع دون الوقوع في مغبة الإثارة وتحديد زاوية الطرح وتحديد الهدف من الرسالة الاعلامية التي يقدمها والتي تعد حسب تقديرها محددا رئيسيا لتقنيات التناول الاعلامي لأي موضوع والأخذ بعين الاعتبار تأثير الرسالة الاعلامية على اعتباره من صناع الرأي العام.
كما شددت على ضرورة الالتزام بالأخلاقيات المهنية وبمبادىء وثقافة حقوق الانسان التي تعد المعايير الأساسية التي توجه السلوك فضلا عن تدقيق الكلمات المستعملة على اعتبار أن تناول المواضع الاجتماعية على غاية من الأهمية إذ أن “الاجتماعي سياسي بامتياز” حسب قولها.
وينتظر أن تكلل ورشة العمل بتوصيات كفيلة بتصويب التناول الاعلامي للقضايا الجنسية.