انطلقت الممثلة المسرحية منال عبد القوي من موضوع تأخر سن الزواج عند المرأة، في عملها المونودرامي الجديد “المخفوقة بنت بوها” لتتطرق بأسلوب هزلي ساخر إلى عديد القضايا الاجتماعية التي تسود المجتمع التونسي، ولكن مع كلّ موقف من هذه المواقف التي تستعرضها منال عبد القوي، ومع كل حكاية ترويها تتجلّى المأساة.
هذا العمل المونودرامي الذي ألفه جلال الدين السعدي وأخرجه محمد منير العرقي، تم تقديمه مساء الجمعة في عرض أول بقاعة المونديال بالعاصمة، وراوحت فيه منال عبد القوي لمدة ساعتين بين الرقص والغناء وتعابير الوجه وتقمّص مجموعة من الشخصيات أهمها الشخصية الرئيسية “زينة” وشخصية الأب “مبروك” الأم “فاطمة” وصديقتها العانس “قمر” والعديد من الشخصيات الأخرى.
استهلّ العمل بموقف تنظيم مجموعات من الفتيات العوانس مسيرة يطالبن فيها الحكومة بتحقيق مطالبهن المتمثلة في الزواج، لتأخذ الممثلة على إثرها الجمهور عبر تقنية “الفلاش باك” في رحلة إلى ماضيها بجزيرة الأحلام جربة مسقط رأسها. وهناك يكتشف الجمهور شخصية “زينة” وهي فتاة “المخفوقة ” متحرّرة، ولكن هذا المصطلح في نظر والدتها وفي نظر أهالي جزيرة جربة تعني الفتاة غير الرصينة وهي تلك التي لا تتقيّد بالعادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع على المرأة.
تُبرز منال عبد القوي في “المخفوقة بنت بوها” مجموعة من المتناقضات التي تسكن أهالي جزيرة جربة مسقط رأسها، فبقدر انفتاح أهاليها على مختلف الحضارات وتعايشهم مع الأديان وكرم ضيافتهم في استقبال زوار الجزيرة، إلا أن هذا الانفتاح سرعان ما يزول في علاقة بالمرأة “الجربية” التي ينبغي أن تتقيّد بمجموعة من التقاليد والعادات خوفا من وصفها بـ “المخفوقة ” وما يمكن أن ينجرّ عنه من تشويه لسمعة العائلة.
ولتسليط الضوء على هذه “النظرة الدونية” للمرأة في مجتمع تتسلط فيه القيم الذكورية في تونس عمومًا، تستحضر الممثلة صورة حفلات الأعراس بجربة و”الشوشانات” (جمع مفرده شوشانة) وهن مجموعة من النسوة ذوات بشرة سمراء، يؤثثن سهرات موسيقية تحضرها نسوة فقط. فتتحدّث باستهزاء عن الفوارق بين الجنسين وانعدام المساواة بينهما. فتضع الرجال عدا والدها “مبروك” الذي ينتصر إليها دوما، موضع سخرية انتصارا للمرأة الحرة والمرأة الحالمة الرافضة للواقع، وهو واقع تعتبره شخصية زينة مأساوي يكبّل جموحها نحو التحرر والانعتاق وإعطاء معنى لحياتها.
ولا تقتصر هذه النظرة المتسلطة للرجل على المرأة في المسرحية على بعض المواقف الاجتماعية فحسب، بل تتعدّى ذلك إلى إبراز موقف المجتمع الرافض للمرأة الفنانة عموما باعتبارها “رقاصة” كما ورد على لسان منال عبد القوي. وفي “المخفوقة بنت بوها” قصّة حقيقية عاشتها هذه الفنانة التي شقت طريقها بنجاح وأضفت لوجودها معنى غير ذلك التصور العامي الذي يصل تحقيق المعنى بالزواج.
ومن خلال هذه المسرحية، تدعو منال عبد القوي المرأة إلى التمرّد على التصورات التي تلخص دور المرأة ووظيفتها في الزواج والاهتمام بالبيت ورعاية الأبناء، لافتة إلى أن النجاح في العمل يأتي في المقام الأول.
ورغم بعض العادات والتقاليد المحافظة التي يحملها أهالي جزيرة جربة وهي صورة مصغرة للمجتمع التونسي بشكل عام، فإن المسرحية تكرّم أهالي جربة وتبرز خصوصياتهم الفنية والتراثية التي تزخر بها الجزيرة، ولذلك فإن “المخفوقة بنت بوها” بقدر ما تتضمنه من دعوات للمرأة التي تأخرت في الزواج، إلى الاهتمام بالعمل والنجاح في المقام الأول، فإنها أيضا تسوّق من خلال إبراز خصوصيات الجزيرة التراثية إلى زيارة جزيرة الأحلام والتمتع بجمالها والتعرف على خصوصيات ومزايا متساكنيها.
الوسومالمخفوقة بنت بوها مسرحية منال عبد القوي