قال كاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية، مبروك كورشيد، إن الحرب التي تخوضها الحكومة اليوم على الفساد هي “أم المعارك وهي حرب الشعب التونسي كله، والحكومة والشعب سائران في خوضها بلا هوادة، فإما التقدم والانتصار أو أن يعم الفساد”، وفق تعبيره.
وأكد كورشيد بخصوص الاستراتيجية المستقبلية للحكومة في محاربة الفساد، وذلك على هامش جلسة حوارية انتظمت، مساء أمس الجمعة بالعاصمة، حول مآل الحرب التي انخرطت فيها حكومة الوحدة الوطنية على الفساد، ببادرة من منظمة “أنا يقظ”، أكد على ضرورة عدم استباق الأحداث، قائلا “إنها حرب ومن شروط الحرب الخدعة والمواصلة وطول النفس، وألا يتم إخبار العدو بالمخططات الموضوعة ضده، لكن الأكيد أنه ستتم محاربة الفاسدين بآليات الدولة أي بالقانون والتشريعات البرلمانية، مع آليات أخرى استثنائية”، وفق تعبيره.
من جانبها، اعتبرت النائب بمجلس نواب الشعب، بشرى بلحاج حميدة، خلال الجلسة الحوارية، التي حضرها ممثلون عن الحكومة ومجلس نواب الشعب والقضاء والمجتمع المدني والإعلام، أن الفساد ليس وليد الثورة وليست المرة الأولى التي نسمع فيها عنه، لكنها المرة الأولى التي نرى فيها حكومة تتخذ اجراءات تتعلق بهذه الآفة، بغض النظر عن مدى صحتها، حيث لا يمكن الحكم من الناحية الإجرائية عليها لعدم الاطلاع على حيثيات الملف، مؤكدة أنه من المهم الوقوف إلى جانب الحكومة باعتبارها تخوض حربا ليست بالهينة وإذا أريد لها المضي قدما في تحركاتها وجبت مساندتها ولكن من حق الشعب أن يطلب أكثر.
ولفتت إلى أن الحرب على الفساد لا تكون بالإيقافات، وفق تصورها، بل بفتح الملفات والتقدم فيها، مؤكدة أن البرلمان قام بدوره في ما يتعلق بقانون حماية المبلغين، وقانون النفاذ إلى المعلومة، وذلك بفضل جهود المجتمع المدني الذي ساهم بشكل كبير في مرور هذه القوانين بالصيغة التي هي عليها الآن، مضيفة أن البرلمان يدرس حاليا قانون الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، لكن رغم هذه المجهودات يلاحظ غياب التزام سياسي من مجلس نواب الشعب في موضوع محاربة الفساد خاصة في ظل وجود شبهات فساد تحوم حول بعض أعضائه.
واعتبر القاضي الإداري والعضو السابق باللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، محمد العيادي، أنه يحسب لحكومة الوحدة الوطنية انطلاقها في الحرب على الفساد لكن من واجب المجتمع المدني “توريطها” لتواصل هذه الحرب وتتوسع فيها ولا تتراجع، ملاحظا أن الحرب على الفساد يجب أن تمر عبر القضاء، فبدونه لن تكون هذه الحرب حقيقية، وفق تعبيره.
وشدد على ضرورة تكوين هيكل قضائي يضم نخبة من القضاة المشهود لهم بالنزاهة، يتعهد بالبحث في ملفات الفساد فقط، إلى جانب التسريع بإصدار قانون الإثراء غير المشروع الذي سيمكن من القضاء على عدد كبير من الفاسدين، معتبرا إياه الحل الوحيد الذي سيمكن من ملاحقتهم بصفة ناجعة، إلى جانب مساهمته في إنعاش خزينة الدولة.
وأضاف أنه من الضروري أن تكون للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد صلاحية اتخاذ اجراءات تحفظية ومتابعة الملفات التي تحال إلى القضاء، موضحا أنه تم اقتراح إحالة جميع ملفات الفساد مباشرة إلى الهيئات القضائية الحكمية وأن لا تمر عبر طور التحقيق الذي يأخذ عادة حيزا كبيرا من الزمن وينتهي في أحيان كثيرة بضياع الملفات.
من جهته، ذكر المنسق العام لشبكة دستورنا، جوهر بن مبارك، أن المحصلة الواقعية منذ يوم 23 ماي، تاريخ انطلاق حملة الايقافات إلى اليوم، هي بضعة أشخاص موضوعين تحت الإقامة الجبرية دون تهم موجهة لهم، وهو إجراء احتياطي لأسباب تتعلق بالأمن العام، في حين تم نقل البعض الآخر من حالة الإقامة الجبرية إلى وضعية الإيقاف القضائي وحولهم تحقيقات مفتوحة أمام المحكمة العسكرية في قضايا أمنية وليس في قضايا فساد.
وأكد الصحفي بموقع نواة، ثامر المكي، على وجود أزمة ثقة عامة بين جميع أطراف المشهد السياسي من حكومة وبرلمان، الذي تحوم حول عدد من نوابه شبهات فساد، دون استثناء المعارضة التي أصبحت بدورها معنية بهذا الفساد، وهي أزمة قال إنها ناتجة عن سياسات ومشهد عام تعمم فيه الرشوة.
وبين أن الأزمة تتطلب وضع سياسة اتصالية خاصة بالأزمات بما يمكن من توسيع الحشد الشعبي حول الحكومة، وهو ما لا يتوفر اليوم إلى درجة أن الصحفيين لم يجدوا منذ بداية حملة الايقافات ما يكتبونه.
وتساءل حول إمكانية محاربة الفساد دون التعويل على عناصر مثل القضاء المدني والإعلام الذي يشكو بدوره من الفساد، ملاحظا غياب الرغبة السياسية في إصلاح الإعلام رغم إعراب نقابة الصحفيين عن استعدادها للتعاون مع الحكومة في تقديم القرائن اللازمة حول وسائل الإعلام سواء المساهمين فيها أو مديريها أو حتى الصحفيين أنفسهم.