ترتبط موسيقى السطمبالي في الذاكرة الشعبية التونسية بأجواء الأفراح التي كان يجتمع فيها الأهل والأحباب احتفالا بمناسبات سعيدة، كما تعود بالبعض الذاكرة عند الحديث عن السطمبالي إلى أجواء “اللّمة” أو “الزردة” التي كانت تقام بعدد من “الزوايا” ومقامات أولياء الله الصالحين. الرغبة في استعادة لحظات من الماضي الجميل واكتشاف موسيقى مغاربية مماثلة مثل “الغناوة” المغربية و”الديوان” الجزائرية جمعت أحباء الموسيقى الصوفية بمتحف قرطاج مساء الاثنين، في سهرة حملت عنوان “ديوان عجم”، وأقيمت ضمن فعاليات الدورة 53 لمهرجان قرطاج الدولي.
كانت سهرة مغاربية موغلة في الذاكرة انطلقت من تونس لتعود إليها إثر جولة بدأت بتقديم متميز للمؤرخ عبد الستار عمامو، قبل أن يبدأ العرض بفقرات من تراث موسيقي يميّز الجنوب التونسي مرورا بديوان الجزائر وصولا إلى مدينة السويرة المغربية قبل العودة من جديد إلى تونس وتحديدا العاصمة ليختتم العرض بتفاعل كبير من الحاضرين بلغ بالبعض حد “التخميرة”.
ابتهالات وتضرّع ومناجاة للخالق، ومدح لرسوله الكريم وتغنّ بخصاله، بكل اللهجات الجزائرية والمغربية والتونسية عبر “مرحبا يا مرحبا” و”بابا عمار ساكن عنابة” و”يا نبينا” و”الله والنبي يا رسول الله” ليختتم العرض بالأغنية الشهيرة “سيدي منصور- بابا بحري” تعلوها زغاريد عدد من النسوة.
هذا العرض الذي تولى إخراجه المنصف البلدي، كان متميزا فنيا وجماليا، فقد حضرت كل مقومات عروض السطمبالي بالخصوص والعروض الصوفية التراثية بصفة عامة، من لباس وأكسسوارات وأضفت عليه جمالا اللوحات الراقصة التي أثثتها مجموعة من الشبان والشابات من الغابون، فضلا عن نسوة يلبسن أزياء تقليدية تعود إلى حقبات بعيدة.
وقد شهد العرض بحسب صاحبه رياض الزاوش مؤسس جمعية “سيدي علي الأسمر” مشاركة 45 فنانا يمثلون فرق “السطمبالي” و”الغناوة” و”الديوان” من تونس والمغرب والجزائر على التوالي.
وإلى جانب استعمال “الجلاجل” المرتبطة بهذا النمط الموسيقي، استعمل الموسيقيون المشاركون في عرض البارحة، آلات موسيقية أخرى يعود استعمال بعضها إلى أربعينات القرن الماضي.
إدراج “ديوان عجم” ضمن برمجة الدورة 53 لمهرجان قرطاج الدولي اعتبره كثيرون بادرة طيبة أسعدت محبي الطرق الصوفية بأنواعها، لكن الكثير من الجمهور الحاضر مساء الاثنين بمتحف قرطاج فوجئ بقصر زمن العرض من ناحية، وغياب عدد كبير من الأغاني المميزة بالخصوص لفرق السطمبالي بتونس من ناحية أخرى، بل إن عددا ممن حاورتهم (وات) إثر العرض، لئن أكدوا على أهمية هذا المشروع الفني من حيث تجميعه لتجارب صوفية مشتركة وتقاسم تراث موسيقي مغاربي، فقد دعوا إلى مراجعة فقراته الموسيقية ومزيد الاشتغال على الخصوصيات لتبرز بأكثر دقة عملية التحول من نمط موسيقي إلى آخر (غناوة- ديوان- اسطمبالي) بما يجعل عروضه المقبلة أكثر ثراء.