أكدت جمعية القضاة التونسيين أن مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري المصادق عليه بالجلسة العامة لمجلس نواب الشعب بتاريخ 13 سبتمبر الجاري، قد شابته عديد الخروقات الدستورية والقانونية مشددة على أن إقرار مشروع هذا القانون خارج منظومة العدالة الانتقالية يمثل تعديا على اختصاص القضاء في تطبيق القانون طبق الدستور والقوانين القائمة.
وعبرت الجمعية في بيان لها اليوم الثلاثاء عن رفضها لمشروع هذا القانون لجملة الخروقات الدستورية والقانونية التي شابته ولقيامه على تصوّر يتعارض مع موقع القضاء كسلطة مستقلة تختص بتطبيق القانون وممارسة سلطات التتبع والتحقيق وتكييف الأفعال المجرّمة وتأويل النصوص القانونية والمحاكمة كما يتنافى مع ضرورة تقوية ودعم جهود الدفع للنهوض بدور المؤسسة القضائية في هذا الظرف الدقيق.
وأوضحت أن مشروع القانون فيه مخالفة لأحكام الفصل 114 من الدستور لعدم انتظار رأي المجلس الأعلى للقضاء في مشروع القانون والذي يستشار وجوبا في مقترحات ومشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء ، وكذلك مخالفة لاحكام الفصل 110 من الدستور الذي يمنع احداث محاكم او سن إجراءات استثنائية من شانها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة من خلال إحداث هيئة ترفع لديها الدعاوى المنصوص عليها بذات المشروع في فصله الخامس.
كما يتضمن المشروع، حسب الجمعية، مخالفة للفصل 148 من الاحكام الانتقالية للدستور فيما اقتضته من التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية باعتبار أن ما أقره مشروع القانون من عدم مؤاخذة جزائية للموظفين العموميين وأشباههم على معنى الفصلين 82 و 96 من المجلة الجزائية عن الأفعال المضرة بالإدارة ومن عفو عام على الذين صدرت بشأنهم أحكام اتصل بها القضاء “سيؤدي حتما الى طمس الحقائق وتجاوز مسارات العدالة الانتقالية والتخلي على أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة والتحكيم”.
كما بينت الجمعية أن العفو العام الواقع إقراره بالفصل الثالث والمتعلق بجرائم تضررت منها الدولة خالف حتى شروط العفو العام المنصوص عليها بالفصل 377 من مجلة الاجراءات الجزائية وذلك بما أقره من أن العفو العام موضوع مشروع القانون يشمل مبالغ جبر الضرر المادي والمعنوي المسلط على الموظفين العموميين وأشبابهم المحكوم بها لفائدة الدولة والجماعات المحلية والمنشآت العمومية.
وأشارت إلى أن تمتيع الموظفين العموميين وأشباههم الصادرة ضدهم أحكام باتة أثبتت ارتكابهم لجرائم اعتداء على المال العام بموجب الفصل الثالث من مشروع القانون، يتناقض مع تقديم هذا المشروع على أنه ينطبق فقط على الموظفين العموميين وأشباههم الذين لم يتحصلوا على منافع شخصية والترويج لذلك.
كما اعتبرت أن سن هذا القانون فيما أقره من إجراءات عدم المؤاخذة والتدخل في سير القضاء بإيقاف التتبعات الجارية في ملفات ذات علاقة بشبهات الفساد والاعتداء على المال العام والإضرار بالإدارة وإلغاء الأحكام الباتة في جرائم الفساد الثابتة، يخلق سياقا عاما متساهلا ومتسامحا مع جرائم الفساد المالي وانتهاك المال العام ولا يشجّع على تقوية دور القضاء في ردع تلك الجرائم.