تعتزم الحكومة في سنة 2018 تنفيذ استراتيجية لتطوير وحوكمة المنشآت والمؤسسات العمومية، طرحتها على مختلف شركائها الاجتماعيين والمهنيين، وترتكز على اربعة محاور تتصل بالحوكمة العامة والحوكمة الداخلية والموارد البشرية والحوار الاجتماعي والوضع المالي.
وتاتي هذه الاستراتيجية في وقت التزمت فيه الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي في رسالة توجه بها كل من رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي في ماي 2017 الى رئيسة الصندوق، بتنفيذ برنامج للتصرف الناجع في خمس مؤسسات عمومية يرتكز على الاداء يهم كل من الخطوط التونسية والشركة التونسية للكهرباء والغاز والديوان الوطني للحبوب والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والشركة التونسية لتكرير النفط.
وترمي هذه الاستراتيجية الى اعادة هيكلة هذه المنشآت والمؤسسات العمومية، وعددها 104 تنشط في 21 قطاعا، لا سيما وان قيمتها المضافة تراجعت بنسبة 15,3 بالمائة في حدود 6615,6 مليون دينار سنة 2015، وكبد عدد منها الدولة ضخ دعم مالي قياسي بلغ نحو 5851,5 مليون دينار سنة 2014، وزهاء 2609,2 مليون دينار سنة 2015.
واشارت وثيقة لرئاسة الحكومة، التي تتولى 15 وزارة تابعة لها الاشراف على المؤسسات العمومية، “الى ان تواصل العجز الهيكلي لعدد من المؤسسات العمومية
(29 مؤسسة اموالها الذاتية سلبية) يفرض على الدولة، اليوم، اعادة هيكلة هذه المؤسسات وصياغة استرايجية جديدة للنهوض بادائها. كما يجعلها امام ضرورة تحديد دقيق لدور الدولة باعتبارها مساهما رئيسيا في هذه المؤسسات.
واوضحت رئاسة الحكومة في وثيقة تحصلت (وات) على نسخة منها، ان الاموال الذاتية لهذه المؤسسات قد بلغت، خلال سنة 2015، قرابة 2730 مليون دينار سلبي… مقابل رؤوس اموال بقيمة 447,8 مليون دينار، خلال نفس السنة.
كما بلغت الخسائر المتراكمة للمؤسسات العمومية سنة 2015، حوالي 6 الاف مليون دينار، اي بزيادة قدرها 214,9 بالمائة مقارنة بسنة 2010 وذلك دون اعتبار عجز الصناديق الاجتماعية.
يشار الى ان عائدات المساهمات والمؤسسات بلغت حتى موفى جويلية 2017 حوالي 18 مليون دينار مقابل تقديرات في قانون المالية للسنة الجارية في حدود 220 مليون دينار، حسب النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2017 المنشورة على موقع وزارة المالية.
وعزت وثيقة رئاسة الحكومة، الصعوبات التي ترزح تحتها هذه المؤسسات الى اشكاليات على مستوى الحوكمة وغياب الرؤية الاسترايتجية وتدني الانتاجية والاضرابات وارتفاع كلفة الانتاج الاجراءات الادارية المعقدة وصيانه الاسطول وهيكلة الشركات وارتفاع النفقات وسياسات الدولة لاصلاح التعريفة.
واقترحت الاستراتيجية اصلاحات ترتكز على اربعة محاور تتمثل في الحوكمة العامة والحوكمة الداخلية والموارد البشرية والحوار الاجتماعي والوضع المالي.
* احداث صندوق للاسترجاع
وتخطط رئاسة الحكومة، في ما يتعلق باصلاح الوضع المالي للمؤسسات العمومية التي تنشط في القطاعات التنافسية، “اطلاق صندوق للاسترجاع براس مال في حدود 1000 مليون دينار يمول بنسبة 50 بالمائة من قبل الخواص و50 بالمائة من قبل صندوق الودائع والامانات. وتخضع الشركات، التي ستستفيد من تدخل الصندوق الى النظام الخاص وبالتالي تكون نسبة مساهمة الخواص فيها على الاقل 50 بالمائة.
ويمكن للخواص تقديم خدمة المرفق العام شريطة ان تتحمل الدولة فارق الكلفة بين السعر الحقيقي للخدمة والسعر المفوتر. كما ان استثمار الصناديق في الشركات العمومية يدخل في اطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وستعمل رئاسة الحكومة كذلك على بعث صناديق جهوية للتاثير الايجابي، على ان يتم توفير تمويل بقيمة 300 مليون دينار مناصفة مع القطاع الخاص. ويتم تسيير هذه الصناديق وفق منوال صناديق الافراق مع حث بعض المؤسسات العمومية على استبدال الانموذج الحالي المعمول به بانموذج جديد يتماشي والسوق والظروف الاجتماعية الراهنة الى جانب العمل على بعث صندوق اعادة رسملة المنشآت العمومية بالنسبة للمؤسسات التي تؤمن مرافق عمومية حيوية.
* احداث نظام قانوني يسمح باستقطاب الكفاءات
ووضعت رئاسة الحكومة في ما يهم بالموارد البشرية والحوار الاجتماعي، حزمة اصلاحات اجتماعية تتصل بادارة الموارد البشرية لمؤسساتها العمومية من بينها تطوير هذه الادارات وارساء استراتيجية وطنية للتكوين وادماج المؤسسات العمومية في محيطها الاجتماعي والبيئي وارساء ثقافة العمل ووضع قواعد لمكافحة الفساد وارساء مبادئ المحاسبة واستقطاب الكفاءات بما في ذلك القطاع الخاص.
وترنو رئاسة الحكومة الى بلوغ هذه التطورات الاجتماعية داخل المؤسسات العمومية، من خلال تطوير الحوكمة العامة لهذه المؤسسات من خلال اصلاح النصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بالاشراف على المنشات العمومية الى جانب تاكيد دور الوزرات المشرفة على هذه المؤسسات وتحديد دور الدولة كمساهم عمومي وضامن لاستمرارية المرافق العمومية وإعادة تفعيل عقود الاهداف.
وتعتبر الحكومة ان انفتاح تركيبة مجلس الادارة على متصرفين مستقلين وممثلين للمجالس الجهوية وغيرهما، من شأنه تطوير الحوكمة الداخلية للمؤسسات الى جانب تعميم هياكل الحوكمة ولجان التدقيق الدائمة وبعث لجنة لاستراتيجية اعادة الهيكلة ومراجعة منظومة تحفيز اعضاء الهياكل التقريرية واعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمؤسسات العمومية بشكل عام.
* احداث هيكل مركزي موحد يشرف على المساهمات العمومية
وتقترح ذات الاستراتيجية النظر في امكانية احداث هيكل اداري مركزي موحد او هيئة اشراف وتنسيق كوكالة التصرف في المساهمات العمومية او هيئة عليا للمنشآت العمومية تضم على الاقل في مرحلة أولى وحدتي متابعة المنشآت برئاسة الحكومة والادارة العامة للتخصيص وهيئة مراقبي الدولة. وتتمتع هذه الهيئة بالاستقلالية الادارية والمالية بنظام اساسي خاص وتقدم تقاريرها وتوصياتها الى مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة.
* الفصل بين مهمتي الاشراف والتسيير
وفي ما يتعلق بالحوكمة العامة والحوكمة الدااخلية توصي الاستراتيجية بالفصل بين مهمتي الاشراف والتسيير من خلال فصل مهمة ادارة المنشأة عن مهمة رئاسة المنشاة فضلا عن تطوير الشفافية والافصاح عن المعلومة.
وتتطلب استراتيجية اصلاح المؤسسات العمومية اصدار اكثر من وتنقيح 25 نص قانوني واصدار مناشير الى جانب تطوير هياكل ادارية واعداد مرجعيات وتنفيذ دورات تدريبية وقد رسمت رئاسة الحكومة جدولا زمنيا لهذه الاصلاحات يبدأ خلال الربع الرابع من العام الجاري ويتواصل حتي موفي 2018