“لمياء” وصديقاتها من عاملات الفلاحة اضطرتهن ظروف الحياة القاسية من فقر وخصاصة الى ركوب “شاحنات الموت” غير مباليات لا ببرد الشتاء القارص ولا بحر الصيف الشديد وذلك في سبيل توفير قوت أبنائهن وتمكينهم من الدراسة.
هؤولاء النسوة تنطلق رحلتهن كل يوم على الساعة الرابعة ونصف صباحا يخرجن من منازلهن ويجتمعن يوميا أمام مسجد بمنطقة الجديدة القديمة من ولاية منوبة أين يفترش أغلبهن الأرض في انتظار قدوم ما يسمى بـ “السمسار” وهو الوسيط الذي يقوم بنقلهن الى المزارع الفلاحية للعمل حيث ينقسمن في مجموعات ويركبن شاحنات أقل ما يقال عنها انها مهترئة ومحفوفة بالمخاطر لتنطلق بعد ذلك رحلة الرعب التي يعشنها يوميا.
لمياء في آواخر العقد الرابع من العمر ام لأربعة أبناء قالت في حديثها مع “المصدر” ان المعاناة التي تعيشها رفقة صديقتها يوميا باتت جزاء لا يتجزء من حياتهن كما تحدثت عن الطريقة المهينة التي يتم نقلهن بها على متن شاحنات غير مهيئة لا تقهن لا من الأمطار ولا من حرارة الشمس وفق تعبيرها.
و أكدت ايضا أن بعض السماسرة يقومون أحيانا بنقلهن باعداد كبيرة قد تتجاوز 50 امراة في نفس الشاحنة مما يعرض حياتهن للخطر مشيرة الى تعرض احدى صديقاتها مؤخرا الى حادث سير وذلك اثر سقوطها من الشاحنة عندما اهتزت بقوة في احد مخفضات السرعة وفق تعبيرها.
وكشفت لمياء كذلك عن تعرضهن في عدة مرات الى عمليات تحيل من طرف بعض الفلاحيين الذين لا يمكنهن من أجورهن.
وطالبت في المقابل السلطات بتوفير التغطية الاجتماعية لهن ومساعدتهن على تحسين ظروف عمل عاملات الفلاحة.
ويذكر أن احصائيات لوزارة التكوين المهني والتشغيل قد كشفت في وقت سابق ان قرابة نصف مليون امرأة في تونس تعمل في القطاع الفلاحي من بينهن أكثر من 450 ألف امرأة يعملن في المستغلات الفلاحية الصغرى.
احدى العاملات عمرها قرابة 60 سنة اكدت بدورها أنها تضحي بحياتها يوميا من اجل “خبزة” أبنائها ولا تعلم ما اذا كانت ستعود الى منزلها سالمة او ستلقى حتفها في احدى الرحالات.
ومن جانبها قالت عاملة اخرى انها سقطت مؤخرا من الشاحنة وكادت تفقد حياتها تحت عجلاتها.
حوادث المرور التي تتعرض لها شاحنات نقل العاملات في القطاع الفلاحي وما ينجر عنها من اصابات خطيرة قد تصل احيانا الى الموت في ظل غياب تام للتغطية الاجتماعية تواترت بشكل كبير في الآونة الاخيرة وذلك جراء الظروف السيئة ولا انسانية التي تنقل بها العاملات اللاتي يجدن انفسهن مضطرات الى للعمل بهذه الطريقة.
تتالي الحوادث يفسره صمت السلطات والجهات المعنية والغياب التام لعمليات التفقد في هذا القطاع مما يجعل حياتهن دائما في خطر.
ولمعرفة موقف وزارة المرأة والاجراءات التي اتخذتها لحفظ كرامة وسلامة عاملات الفلاحة وحقوقهن اتصل “المصدر” بكاهية مدير التمكين الاقتصادي والاجتماعي مكلفة بالمراة الريفية بوزارة المراة والاسرة والطفولة الجازية الهمامي التي قالت ان الوزارة تتابع بانشغال هذا الموضوع مؤكدة انه تم اعداد استراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في المناطق الريفية 2017/2020 تمت المصادقة عليها في مجلس وزاري في مارس 2017.
كما تم وفق المصدر ذاته ابرام برتوكول حول نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي، ينص على وضع كراس شروط ينظم نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي .
وأضافت المصدر ذاته ان وزارة المرأة طالبت في اطار البرتوكول وبالتعاون مع الهياكل الحكومية والمنظمات المعنية، من وزارة النقل إحداث صنف جديد من النقل، ضمن القانون عدد 33 لسنة 2004 المؤرخ في 19 أفريل 2004 المتعلق بالنقل البري، يعنى بنقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي، على أن يتم ضبط أساليب إسناد رخصه، وطرق تجديد بطاقات استغلاله وفق تعبيرها.
وبينت الجازية الهمامي انهم الآن في انتظار رد وزارة النقل لاحداث هذا الصنف الجديد من النقل الذي سيحفظ كرامة العاملات وسلامتهن الجسدية من الحوادث.
وتابعت انه تم الاتفاق بالتنسيق مع وزارة الداخلية على تشديد العقوبات على سواق الشاحنات الذين ينقلون العاملات بطريقة مهينة ومحفوفة بالمخاطر.
وقالت الجازية الهمامي انه سيتم تنظيم يومين مفتوحين يومي 7 و8 نوفمبر بمشاركة كل المتدخلين من عملة الفلاحة والفلاحيين والجمعيات المهتمة بالمراة الريفية واعلام لوضع البرنامج التنفيذي السنوي لهذه الخطة.
وكشفت ان الدولة خصصت 53 مليار (مليون دينار) لتنفيذ هذه الاستراتيجية على امتداد 4 سنوات وبينت ان هذا المبلغ جزء منه من خزينة الدولة والآخر في اطار التعاون الدولي.
وأكدت كاهية مدير التمكين الاقتصادي والاجتماعي مكلفة بالمراة الريفية ان ما قالته ليس مجرد وعود مشددة على انه ىسيتم الانطلاق في تطبيق هذه الاستراتيجية انطلاقا من 2018 ومن الاولويات التي سيتم الانطلاق في العمل عليها هما التغطية الاجتماعية والنقل مشيرة الى ضرورة تمكين العاملات من التغطية الاجتماعية وتشديد الرقابة من طرف تفقدية الشغل وفق تعيرها.
كما بينت ان الوزارة الان انطلقت في وضع صيغ عاجلة يجب تنفيذها في انتظار صدور قانون احداث صنف جديد لنقل عاملات الفلاحة الذي قالت عنه ان سيفتح ايضا افاقا جديدة لتشغيل الشباب العاطل عن العمل.
وللاشارة فقد اطلق ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك مؤخرا حملة لمساندة عاملات الفلاحة تحت شعار”لا لشاحنات الموت”.