اعتبر سياسيون أن نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية المسجلة أمس بدائرة ألمانيا وما شهدته من إقبال ضعيف في حدود 5 بالمائة دليل على فقدان الناخبين للثقة في الأحزاب وبمثابة “الصفعة” لحركتي “النهضة” و”نداء تونس” وللتوافق الحاصل بينهما، لاسيما بعد فوز المدون ياسين العياري بالمقعد الذي كان من نصيب النداء سابقا.
في المقابل دعا آخرون، في تصريحاتهم لوكالة تونس افريقيا للأنباء (وات)، إلى عدم تضخيم وتهويل مسألة العزوف وربطها بالانتخابات البلدية المقبلة، مؤكدين أن الانتخابات الجزئية تختلف عن الانتخابات الشاملة وأن النتائج في جانب منها كانت متوقعة جراء نقص عدد مكاتب الاقتراع و”عدم التمكن من التنقل بسبب الطقس الشتوي بألمانيا”.
وبلغ عدد المشاركين في الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ألمانيا 1326 ناخبا من بين 26382 مسجلا، أي بنسبة مشاركة في حدود 02ر5 بالمائة، أفرزت فوز المرشح عن قائمة “أمل” ياسين العياري إثر حصوله على 284 صوتا أي بنسبة 83ر21 بالمائة، في حين تحصلت قائمة حركة نداء تونس على 253 صوتا أي بنسبة 45ر19 بالمائة وقائمة حزب التيار الديمقراطي على 135 صوتا بنسبة 83ر10 بالمائة وقائمة حزب حركة مشروع تونس على 132 صوتا وهو ما يمثل نسبة 15ر10 بالمائة.
والعياري، الذي أعلن الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن دعمه له في هذه الانتخابات، هو ابن المقدم بالجيش الوطني الطاهر العياري الذي استشهد في أحداث الروحية الإرهابية سنة 2011 وكان ترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي (2011) دون أن يتمكن من الحصول على مقعد.
وقال عماد الخميري (حركة النهضة) إن ظروف الانتخابات الجزئية تختلف على الانتخابات الشاملة ولا تشهد الإقبال نفسه من حيث عدد الناخبين. وبيّن أن هذه الانتخابات جدت في ظروف استثنائية لم تكن ملائمة لاقبال الناخبين، موضحا أن الطقس الشتوي ومحدودية مكاتب الاقتراع قد ساهما في عزوف الناخبين وأثرا على العملية الإنتخابية.
وأكد الخميري أنه “لا يمكن سحب نتائج الانتخابات الجزئية بألمانيا على المستوى الوطني”، مضيفا في هذا الجانب أنه من السابق لأوانه الحديث عن خارطة سياسية بناء على نتائج جزئية، ولفت في الآن نفسه إلى أنه على الأحزاب السياسية الانتباه أكثر بهدف تأطير الناخبين ودفعهم لآداء واجبهم الانتخابي.
أما غازي الشواشي (التيار الديمقراطي) فأشار إلى أن نتائج الانتخابات الجزئية بألمانيا أثارت مشكلة عزوف الناخبين وعدم اقبالهم على هذه الانتخابات، موضحا أن المسألة باتت إشكالا وطنيا لا بد من معالجته.
واعتبر أنّ الأحزاب السياسية خاصة منها أحزاب الائتلاف الحاكم تتحمل مسؤولية هذا الإشكال جراء خطابها الصعب الذي لا يصل المواطنين والذي لا بد من مراجعته.
كما حمّل المسؤولية أيضا إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جرّاء عدم قيامها بواجبها وتوفير أكثر عدد ممكن من مكاتب الاقتراع مثلما تم سنة 2014، منتقدا في الآن نفسه عدم التفاوض الجدي للخارجية التونسية مع الجانب الألماني حول هذه المسألة.
من جهة أخرى قال الشواشي إنّ هذه النتائج كانت بمثابة “الصفعة” لحركتي نداء تونس والنهضة، اللذان توافقا حول مرشح واحد ولكنهما لم يتمكنا من حصد الأصوات الكافية التي تمكنهما من الفوز بالمقعد، مشيرا إلى أنها عقاب لهما لعدم إيفائهما بتعهداتهما إزاء ناخبيهما.
وبين أنّ تحصل التيار الديمقراطي على المرتبة الثالثة في هذه الانتخابات، رغم ضعف نتائجها، يؤكد مكانته لدى الناخبين ويدعم حظوظه وفرص نجاحه في الانتخابات البلدية المقبلة.
الأمر ذاته ذهب إليه النائب زياد الأخضر (الجبهة الشعبية) الذي بين أن النتائج تعكس بصفة واضحة عزوف الناخبين على الرغم من الخروقات التي تم تسجيلها سواء تعلقت بتسريب البيانات أو بمحاولة التأثير على الناخبين والناخبات.
وقال إنّ هذه النتائج تدعو إلى إعادة النظر في العمل السياسي لكل الأطراف واستنتاج العبر منها لتفاديها مستقبلا.
من جهته أوضح صلاح البرقاوي (حركة مشروع تونس) أن أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الانتخابات هو الحجم الانتخابي الحقيقي لحزبي حركة النهضة ونداء تونس وعدم تمكنهما رغم تحالفهما من اقناع الناخبين بالمشاركة المكثفة والتصويت لفائدة مرشحهما الموحد.كما اعتبر أن النتائج الحاصلة يمكن أن تكون مرتبطة بعدم الوفاء للتعهدات إزاء الناخبين على غرار عدم تركيز المجلس الأعلى للتونسيين بالخارج رغم صدور قانونه منذ فترة وتفسّر مدى اعتراض القواعد لتوجه القيادات.
وأكد ضرورة التعامل بجدية مع نتائج هذه الانتخابات ومراجعة كافة الحسابات لوضع الاستراتيجيات الكفيلة بإنقاذ الديمقراطية من مصاعبها، مبينا أنها تعكس فشل النموذج الذي تم اختياره من قبل الأحزاب الكبرى وتؤكد صحة المخاوف التي تم طرحها سابقا من فتح انتخابات جزئية وتعيين النائب عن جهة المانيا حاتم الفرجاني في حكومة الوحدة الوطنية.
ورفض قياديون في حركة نداء تونس الادلاء بموقف حزبهم من نتائج هذه الانتخابات مؤكدين أنه سيصدر لاحقا بيان في الغرض.
يذكر أن شبكة مراقبون كانت لفتت منذ اليوم الأول إلى ضعف الإقبال، حيث أكدت أنها سجلت نسبة مشاركة “جد محتشمة” للناخبين لم تبلغ سوى 233 ناخبا أي ما يعادل صفر فاصل 88 بالمائة.
وكان رئيس الهيئة محمد التليلي المنصري فسر، في تصريح لـ(وات)، ضعف المشاركة في هذه الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا، بـ”قلة عدد مراكز الاقتراع (4 مراكز فقط مقارنة ب 10 مراكز اقتراع في انتخابات سنة 2014)، فضلا عن عامل المناخ الذي يصعًب التنقل على المواطنين وبعد المسافة وعدم وجود تنافسية كبيرة، نظرا إلى أن عدد المقاعد المطلوب هو مقعد واحد”.
يذكر أنه سيتم التصريح بالنتائج النهائية لهذه الانتخابات في أجل أقصاه 22 جانفي 2018، حسب الروزنامة التي كانت نشرتها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
ويشار إلى أن الانتخابات الجزئية بدائرة ألمانيا انطلقت الجمعة 15 ديسمبر الجاري وتواصلت على مدى ثلاثة أيام