أجمع المشاركون في ورشة عمل أنتظمت اليوم الثلاثاء، حول “تطوير منظومة الرقابة من أجل تصرف عمومي ناجع”، على أن تحقيق مقتضيات العدالة الانتقالية والنجاح في مكافحة الفساد وإرساء الحوكمة الرشيدة يستوجب إصلاح منظومة الرقابة العمومية.
فقد دعا رئيس جمعية إطارات الرقابة والتفقد والتدقيق بالهياكل العمومية التونسية عادل الغزي (مراقب عام للمصاريف العمومية)، رئاسة الحكومة، إلى الاستثمار في المنظومة الرقابية عن طريق تطويرها، بما يعود بالفائدة على كامل الإدارة التونسية والبلاد، فضلا عن مراجعة هيكلة المنظومة الرقابية عبر احداث جهاز ينسق فيما بينها ويجمع تقاريرها، بما يمكن من الاستفادة منها وتثمينها.
واعتبر أنه لا يمكن الحديث عن تصرف عمومي ناجع دون رقابة فاعلة لا تبحث عن مواطن الخلل فحسب، بل تقدم الاستشارة والحلول وتضمن سلامة المعلومات التي سيتم على ضوئها اتخاذ القرار المناسب، مؤكدا أن اصلاح الادارة التونسية والنهوض بها ومقاومة الفساد وارساء الحوكمة الرشيدة يمر عبر اصلاح الرقابة العمومية والرقابة الإدارية العمومية بالخصوص.
ولفت الغزي نظر السلطة التنفيذية إلى المعوقات التي تحول دون نجاعة العمل الرقابي، على غرار محدودية الاستقلالية الوظيفية للهياكل الرقابية عبر تسمية رؤساء الهيئات، والمس من المسار المهني للمراقبين، بالإضافة إلى عدم نشر بعض تقارير الهياكل الرقابية.
وأفاد بأن عدد المراقبين لا يتجاوز حاليا 500 إطار، من جملة حوالي 650 ألف موظف يعملون على 3150 ميزانية وحجم تصرف عمومي (دون احتساب المنشآت العمومية) يقدر بقرابة 45 مليار دينار، مقترحا لتلافي النقص الحاصل في عدد المراقبين، توجيه مجهوداتهم نحو مواطن الخلل في التصرف العمومي، وتجميع التقارير الرقابية ومعالجتها وتكريس مركزية المخاطر في التصرف العمومي.
من جانبه، طالب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، بتمتيع الهياكل الرقابية بإطار قانوني يضمن استقلاليتها وتوفير الامكانيات اللازمة لعملها، وخاصة النظر في امكانية توحيد هذه الهيئات في هيئة مستقلة تكون لها علاقة بالبرلمان، لافتا الانتباه إلى أن كافة الهيئات التي تعمل على ملف مكافحة الفساد وتكريس الحوكمة تشكو من نقص في الامكانيات.
وكشف في هذا السياق، أن قرابة 500 مراقب عمومي مطلوب منهم مراقبة كيفية التصرف في ثلث ميزانية الدولة، وهو ما يعد وفق تقديره “أمرا مستحيلا”، وهو ما جعل عملهم ينصب على “الجانب القبلي”، الأمر الذي لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة باعتبار أن المسائل المتعلقة بالفساد وغياب الحوكمة تظهر أثناء وبعد تنفيذ المشروع.
كما دعا إلى ضرورة تثمين تقارير هيئات الرقابة، والقيام باجراءات المتابعة الإدارية والقضائية في عديد الجرائم التي يتم كشفها في هذه التقارير، مبرزا دور الهياكل الرقابية في تكريس الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وضرورة تكريس استقلاليتها قانونيا وعمليا.
أما رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، فقد أوضحت أنه بمقتضى الفصل 43 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الإنتقالية وتنظيمها، فإن الهيئة مدعوة إلى ارساء لجنة “للفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات”، وتقديم مقترحات في تقريرها النهائي تتعلق باصلاح المؤسسات في مجالات الإدارة والأمن والقضاء والاعلام والثقافة… مشيرة إلى أن السبب الرئيسي للانتهاكات التي تم رصدها في أجهزة الدولة يكمن في وجود إخلالات مؤسساتية تحتاج اصلاحات من أجل ضمان عدم التكرار.
وأكدت أن المنظومة الرقابية في تونس تعد قوية جدا وفيها تنوع كبير، غير أنها تعيش اشكاليات هيكلية لغياب التنسيق فيما بينها وغياب الشفافية في تقاريرها، مشيرة إلى أن المشاركين من مختلف الهياكل الرقابية قدموا للهيئة رؤية واضحة بخصوص الاصلاحات الواجب إقرارها لاصلاح الإدارة، وتجنب الإخلالات التي حصلت في السابق والتي سيتم تضمينها في التقرير النهائي للهيئة.
وقد أجمع المتدخلون في الورشة، على أهمية الارتقاء بعمل الهياكل الرقابية لما لذلك من مردودية على كافة المستويات، داعين إلى دسترة الرقابة وجعلها تابعة لرئاسة الحكومة، وتطويرها حتى تتلاءم مع المعايير الدولية. كما ربطوا مسألة الاصلاحات الكبرى بمسألة اصلاح الرقابة.
ويقدر عدد الهياكل التي تعمل في مجال الرقابة الإدارية بثمانية هياكل، وهي تتبع بالخصوص رئاسة الحكومة ووزارة المالية ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، وتعمل دون تنسيق بينها وبعضها تعمل دون نصوص قانونية، يضاف إليها رقابة مراجعي الحسابات للمنشآت العمومية والرقابة الذاتية لهذه المنشآت (خلايا التدقيق الداخلي)، بالاضافة إلى الرقابة القضائية (محكمة المحاسبات والمحكمة الإدارية والقضاء العدلي)، والرقابة السياسية من قبل مجلس النواب ورقابة المجتمع المدني.
يذكر أن هذه الورشة التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بالشراكة مع جمعية إطارات الرقابة والتفقد والتدقيق بالهياكل العمومية التونسية، وبدعم من المفوضية السامية لحقوق الانسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي التابعين لمنظمة الأمم المتحدة، شارك فيها ممثلون عن أغلب هيئات الرقابة العمومية وممثلو التفقديات بعدد من الوزارات ووحدات الرقابة الداخلية لبعض المؤسسات العمومية والمنشآت العمومية.