“حسبي الله ونعم الوكيل”، عبارة رددتها والدة الشهيد العربي القيزاني مرارا وتكرارا محتضنة صندوق جثمانه، مقبّلة صورته التي اضاءت المكان الغارق في الحزن والقتامة ومظاهر البؤس والتهميش.
بصرخات اخترقت الصمت المخيم على جدران الغرفة الاسمنتية والمباني الفوضوية التي عمت المكان، نعت ابنها البكر وعائلها الوحيد الذي خطط معها لاحلام وطموحات اراد ان يرسم بها البسمة على شفاهها بعد سنوات من الفقر والحرمان ..
وبدموع حارة وكلمات مبعثرة، لخصت والدة الشهيد خصاله وبكت بحرقة فلذة كبدها الذي اختطف الارهابيون روحه وتحول في لحظات غدر من حلم عائلة الى ألم وطن الى أمل شعب في ان تكون هذه المصيبة اخر احزانه وان تعيش بلاده غدا اجمل بلا ارهاب، بلا خيانة..
وعلى مشهد الغبار والاتربة وحفر الانهج ومظاهر التهميش المتقع بالحي الفوضوي الناشئ حي الصفاقسي2 بدوارهيشر شيع الاهالي جثمان الشهيد العربي قيزاني وسار في جنازة مهيبة إلى مثواه الاخير بمقبرة دوار هيشر مرتقيا بشرف الامني المدافع عن شرف وطنه وبفخر الشهيد الذي سقى ارض الوطن بدمائه الزكية.
الشهيد العربي الغيزاني، ذو ال28 عاما، التحق بسلك الحرس الوطني منذ حوالي 5 سنوات، عمل فيها غالبا بالمناطق الحدودية، لم يخف يوما من الموت وكان مدركا ان طبول الارهاب الغادر مازالت تدق واجراس الموت مازالت تقرع وان مكائد الارهابيين مازالت تحاك للنيل من حرمة هذا الوطن واستقراره، حسب ما رواه زملاؤه الذين كانوا في حال احتقان شديد ..
يقول شقيقه بشير انه قضى عطلة باسبوع في احضان العائلة وكان مرحا بشوشا يعمل على ارضاء والدته المناضلة التي ضحت بالغالي والنفيس من اجل تربيتهما وشقيقتهما وعملت في شتى المهن من اجل تحصيل لقمة العيش بعد وفاة والدهم الذي تركهم اطفالا صغارا، ثم عاد فجر يوم الفاجعة الى عمله بعد ان اشبع جبين امه تقبيلا وكانه ادرك ان ذلك هو الوداع الاخير.
ويضيف خال الشهيد شافعي البجاوي ان المرحوم كان العائل الوحيد للعائلة وسندهم، وهو من اقتنى لهم قطعة الارض وشيد عليها المسكن الذي لايزال غير مكتمل وبلا ماء ولا كهرباء، وكان ينوي انهاء الاشغال وتحسين وضعية والدته لكن غدر الارهاب كان اقرب من احلامه البسيطة…
احترقت شمعة العربي وكذلك من كانوا معه، في العملية الارهابية الغادرة بولاية جندوبة ليحيا بقية ابناء هذا الوطن، وجعل من عظامه ورفاقه جسراً ستعبر به الاجيال القادمة إلى الحرية، ونحت باحرف من الدم اسم شهيد لم يمت، ستظل ذكراه راسخة في اذهان ابناء الحي والمنطقة وكل الوطن، حسب تعبير جار العائلة مصطفى العياري.
شقيقة الشهيد، التي كانت في حالة نفسية صعبة قالت “اخي كان عظيما في الشهادة هزم بكبريائه مع زملائه الرعب من الموت والخوف من الرصاص وردد مرارا وتكرارا انهم عرضة للخطر” ولعنت بصوت مختنق غدر الارهاب والتطرف، واضافت ان شقيقها سيبقى سيدا وعظيما في ضمير وطن وفي ذاكرة شعب وحيا لن يموت.
كما اكد صديقه خبيب بن عيسى ان حرقة كبيرة ولوعة لا توصف خلفها استشهاد صديق عمره العربي الذي كان يستعد للاحتفال بخطبته في عيد الاضحى فقد قصف في اوج الشباب وقبل ان يغير واقع والدته المناضلة ويحقق ولو القليل من احلامها.
وبالتكبير وبخطوات مثقلة ومشاعر اختلطت فيها الدموع بالزغاريد، رحلت روحه الى بارئها وخطّت اللحظة بدمه الزكي ذكراه ونحتت على التراب صورة الشهيد الذي وقف على ناصية الوطن وقاتل، الشهيد الذي استمات هناك في المناطق الحدودية والخطر محدق به وبزملائه في الذود عن الوطن من كل من اراد به شرا …
الجنازة التي حضرها المئات من الاهالي والتي حضرها وزير التكوين المهني والتشغيل فوزي عبد الرحمان ووالي منوبة وعدد من النواب ورئيسة الاتحاد الوطني للمراة التونسية راضية الجربي، رافقتها اجواء مشحونة من الاهالي عبروا فيها ان امتعاضهم من تواصل عمليات الارهاب التي تقصف اعمار ابناء الطبقات الضعيفة فضلا على حالة التهميش التي يغرق فيها الحي السكني والذي يفتقر الى ادنى مرافق العيش من ماء وكهرباء وتطهير وانارة عمومية فيغرق في الظلام والبؤس لتغرق انفس سكانه خاصة مع فواجع الارهاب في غياهب الياس والاحباط..