أبحرت سفينة للموسيقى من قرطاج، الليلة الماضية، باتجاه مدينة اشبيلية الإسبانية، معلنة عن افتتاح الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، في حفل حمل عنوان “من قرطاج إلى اشبيلية” حضره وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين وسفراء معتمدون بتونس لكل من دول الجزائر والمغرب واسبانيا.
سفينة الموسيقى جمهورها من عشاق المالوف، ربّانها المايسترو محمد الأسود يرافقه كلّ من الفنانين زياد غرسة ودرصاف الحمداني من تونس، وعباس الريغي من الجزائر والمغربية عبير العابد، بالإضافة إلى الاسبانية “ماريا مارينا”.
أعطى ربّان السفينة القائد محمد الأسود شارة الانطلاق للبحارة (الفرقة الوطنية للموسيقى)، بعد أن أدّى جميع الحاضرين النشيد الوطني التونسي ووقفوا إجلالا وتعظيما لهذا الوطن العزيز الذي فقد الأحد الماضي (8 جويلية) ستة أبطال من الحرس الوطني راحوا ضحية عملية إرهابية غادرة بمنطقة عين سلطان من ولاية جندوبة، ولذلك كان المقطع الموسيقي الأوّل على إيقاعات عسكرية تكريما للشهداء.
أبحرت السفينة بمسافريها على ألحان نوبات موسيقية من المالوف التونسي، وراحت تمخر عباب البحر المتوسط باتجاه الغرب، فمرّت بالجزائر والمغرب وقدّمت نماذج من المالوف في الدولتين، ثم عرّجت إلى الشمال عبر مضيق جبل طارق، وأرست بالمسافرين بمدينة اشبيلية حيث استمع الحاضرون واستمتعوا بموسيقى الفلامينقو الأندلسية وإيقاعاتها السريعة.
قدّم المشاركون في حفل “من قرطاج إلى اشبيلية” ألوانا موسيقية تجلت في تنوّع طرق العزف وفي تنوع الأداء والإيقاع، وذلك تلبية للجوانب الثقافية والتراثية المشتركة لموسيقى المالوف التي تجمع هذه الدول. وأدّى الفنانون وصلات غنائية بصفة منفردة في الجزء الأوّل من الحفل.
وغنّى زياد غرسة وصلة من المالوف التونسي في طبع الحسين من ألحان والده الراحل الفنان الطاهر غرسة، افتتحها بتوشية حسين “أيها الساقي”، وأدّى أيضا أغنية “حبك كم عيارو”. وغنّى عباس الريغي وصلات من مقام “الرهاوي”، وهو مقام يعرف في تونس بـ “المحير سيكا” ومن الأغاني ضمن هذا المقام أدّى “يا الله يا حمامي”.
وغنّت عبير العابد وصلة من انصراف بطايحي غريبة الحسين، وشنفت آذان الجمهور بأغنية “ليل عجيب”. كما أدّت الفنانة المغربية الأغنية الشعبية “على وحيدة” للفنان الراحل سامي المغربي. وتفاعل الجمهور مع درصاف الحمداني أثناء تأديتها لأغنية “ما أحلى ليالي اشبيلية”.
وتعالت آهات الفنانة الإسبانية “ماريا مارينا” على إيقاعات الفلامينقو، صوت يفيض بالغناء والروحانيات ومتذبذب الإيقاع، فاتسّم بالهدوء تارة وبالسرعة طورا، ترجمته آلات وترية وإيقاعية متنوعة ورافقه التصفيق الإيقاعي المستمر.
وجمعت موسيقى الفلامينقو الأندلسية بين الطابع الاحتفالي الراقص وكذلك الطابع التراجيدي المأساوي لتروي أوجاعا لأقليات عانت ويلات الظلم والطغيان والعبودية. وصاحبت إيقاعات الفلامينقو رقصات سريعة خاطفة من أهم خصوصياتها ضرب الأرض بالقدمين برشاقة وقوة عاليتين.
وأدّى الفنانون المشاركون وصلات غنائية مشتركة منها الأغنية الجزائرية “بنت بلادي” للفنان الراحل عبد الصادق شقارة، بالإضافة إلى رائعة الفنان الراحل الهادي الجويني “سمراء يا سمراء”.
لقد كسر العمل الموسيقي “من قرطاج إلى اشبيلية” كلّ الحدود الجغرافية، وأخذ الجمهور في رحلة موسيقية انطلقت من تونس وأرست بإسبانيا مرورا بالجزائر والمغرب، رحلة شدّت إليها اهتمام الحضور طيلة العرض بحوار موسيقي جميل لنماذج من المالوف التونسي والجزائري والمغربي والأندلسي، وتغنت بقيم الحب والسلام، في عالم أنهكته الصراعات والحروب بين بني آدم.
تجدر الإشارة إلى أن عرض “من قرطاج إلى إشبيلية” هو إنتاج خاص بمهرجان قرطاج الدولي، ومثله أيضا عرض الاختتام “24 عطرا” لمحمد علي كمون الذي سيتم تقديمه يوم 17 أوت 2018.