قال المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجة ناجي جلول، الجمعة، “إنّ إضعاف الطبقة الوسطى يهدّد الديمقراطية والتّقدم ويسّهل صعود المتطرفين”.
ولاحظ جلّول، خلال ندوة انعقدت بتونس، حول موضوع “الطبقة الوسطى في تونس” نظمها المعهد أنّه بالاعتماد على إحصائيات المعهد الوطني للاحصاء والمعهد الوطني للاستهلاك والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ الطبقة الوسطى باتت لا تمثل، حاليا، سوى 50 بالمائة من عدد السكان مقابل 70 بالمائة سنة 2010 و84 بالمائة سنة 1984. وقد فقدت هذه الطبقة 40 بالمائة من قدرتها الشرائية ما بين سنتي 2010 و 2018.
واستعرض جلول بعض الارقام التي اعتبرها “مخيفة”، فقد “زادت نسبة التونسيين ممن لهم حسابات بنكية متخلدة بذمتها ديون الى 40 بالمائة في حين يستهلك 15 بالمائة من الموظفين رواتبهم قبل منتصف الشهر ولا يقدر 17 بالمائة منهم على استهلاك اللحم. ونمت ديون أسر الطبقة الوسطى بنسبة 260 بالمائة”.
وأضاف أن مستوى استهلاك العائلات المتوسطة تدهور بشكل حاد، وتلاقي هذه الشريحة صعوبة في تملك مسكن، وهي تواجه، ايضا، مصاعب في النفاذ الى الخدمات الصحية والتعليم. كما انها الاكثر تأثرا بالتدني غير المسبوق للخدمات العمومية وخاصة تلك المتعلقة بالصحة والنقل”.
“وساهمت هذه العوامل مجتمعة، في تغيير وجه مدننا، وبروز ظاهرة اهتراء مرتكزات العمران والفضاء الحضري و”تريّف” المدن. وافضت هذه العوامل، تنامي ظاهرة النزوح العكسي من المدن الكبرى الى الجهات الداخلية والمناطق الريفية، أين تبقى كلفة المعيشة، أقلّ نسبيا”.
ووفت مدير المعهد، “الى أنّ هشاشة الطبقة الوسطى، انطلقت مع بداية الاصلاح الهيكلي سنة 1986، الذّي وسم بداية تحرير الاقتصاد، هذا التوجه عاضدته التّحولات في نظم العمل مطلع تسعينيات القرن الماضي مع ظهور العقود محددة المدة والتشغيل الهش”.
وأوصي جلول، بهدف وضع حدّ للهشاشة التي لحقت بالطبقة الوسطى، “بضرورة إعادة نظام الدولة الراعية، التي ترتكز على خيارات وطنية وسياسات اجتماعية، التّي تغطي في نفس الوقت قطاعات السكن والصحة والتعليم بطريقة تسهم في اعادة تشغيل المصعد الاجتماعي”.
وأشار إلى “ضرورة تخفيف العبء الضريبي، الذي تتحمله الطبقة الوسطى واعتماد زيادات في الاجور لايمكن تغطيتها بمزيد من الضرائب والتحكم في التضخم وتعويم سعر صرف الدينار للقطع مع منحي الهبوط الذي يشهده حاليا”.
وتحدث الخبير بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية فواد بن سعد، الذي أعدّ دراسة حول الطبقة الوسطى قدمت، اليوم الجمعة، “عن تغيّر خصائص الطّبقة الوسطى، التي بات من سماتها الاساسية، ضبابية معالمها أكثر فأكثر (ارتفاع حصة بعض الفئات المهنية والاطارات العليا والمهن الحرة والعملة الفلاحيين..) وتراجع حصة المتقاعدين. والنزوح المعاكس من المدن الى المناطق الريفية…”.
وقال “بالنسبة لاي شخص ينتمي الى الطبقة الوسطى ويود المحافظة على موقعه داخلها فانه يتعين عليه الحصول على ترفيع بنسبة 50 بالمائة من اجره خلال السنوات الخمس المقبلة، هذا الترفيع يجب أن يصاحبه تخفيف في العبء الضريبي وتحسين للخدمات العمومية ومراجعة منظومة الدعم ووضع برامج للسكن الخصوصي لهذه الفئة”.
وتطرق عضو منظمة الدفاع عن المستهلك، محمد الصالح البرقاوي، خلال اللقاء، أساسا، الى نقائص نظام المراقبة الاقتصادية وتعدد الوسطاء على مستوى مسالك التوزيع والتي اثرت بشكل قوي على مستوى الاسعار مشيرا الى انه لا يمكن تحقيق اي تحسن في المقدرة الشرائية دون ترشيد اليات المراقبة الاقتصادية.