كشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شوقي الطبيب، أن الهيئة قامت سنة 2017 بتقديم 245 إحالة على القضاء منها إحالات بشبهات فساد تتعلق بالملك العمومي، ملاحظا أن الإبلاغات والعرائض والإشعارات المتعلقة بشبهات الإستيلاء على الملك العمومي، من أهم الشكايات الواردة على الهيئة من حيث العدد.
وأضاف الطبيب، خلال ندوة صحفية اليوم الخميس، خصصت لعرض التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لسنة 2017، أن الهيئة دائما ما تتعرض للنقد بسبب بطء معالجة ملفات الفساد وعدم ملاحظة نتائج ملموسة. وبيّن أن هذا الأمر يتجاوز صلاحيات الهيئة، إذ أن ملف الفساد الواحد يستغرق بين 7 و10 سنوات للبت فيه، مؤكدا في هذا السياق أنه يجب حل هذا الإشكال عن طريق تعزيز الإمكانيات المادية واللوجستية والبشرية للعدالة، فضلا عن ضرورة مراجعة القوانين وخاصة منها المجلة الجزائية.
وأفاد بأن تقرير الهيئة بعنوان سنة 2018 سيتضمن دراسة خاصة بالمآلات القضائية للملفات التي أحالتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على القضاء وعلى لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة (تقرير أعده المحامي والمختص في القانون، الفقيد عبد الفتاح عمر سنة 2011).
وذكر أن الهيئة تلقت 9189 عريضة تهم حالات فساد سنة 2017 من بينها 5338 عريضة واردة على الرقم الأخضر للهيئة، موضحا أن 56.84 بالمائة من الملفات الواردة في صلب اختصاصات الهيئة من بينها 30.85 بالمائة موضوعها فساد إداري ومالي و 2.32 بالمائة منها موضوعها فساد في الصفقات العمومية.
وقال شوقي الطبيب إن 35ر38 بالمائة من ملفات الفساد الواردة على الهيئة مصدرها الجهات. وقد احتلت ولاية تونس المرتبة الأولى بنسبة 97ر14 بالمائة في حين تذيلت ولاية القيروان هذه القائمة بنسبة 86ر3 بالمائة من الملفات.
ولاحظ أنّ الصفقات العمومية من المجالات الأكثر عرضة لمخاطر الفساد، رغم إخضاعها لمنظومة قانونية متطورة، وفق قواعد مضبوطة، مبينا أن الهيئة أحالت على القضاء عددا من الملفات تتعلق بشبهات فساد إداري ومالي مسّت أغلب القطاعات وتتمثل في رشاوى واختلاسات وتجاوزات وسوء تصرف وفساد واستغلال نفوذ.
وعلى صعيد آخر أكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن الوزارات بدأت تستجيب شيئا فشيئا لمفهوم مكافحة الفساد، إذ قامت الوزارات سنة 2017 بإحالة 368 ملفا على القضاء بمختلف أنواعه (القضاء الجزائي العدلي بما في ذلك القطب القضائي الإقتصادي والمالي، ودائرة الزجر المالي، والقضاء العسكري)، في حين تم إحالة 48 ملفا فقط في 2016، أي بنسبة تطور فاقت سبعة أضعاف.
كما أعلن أن 5ر87 بالمائة من الوزارات استجابت في عام 2017 إلى طلبات هيئة مكافحة الفساد، مقارنة ب6ر66 بالمائة سنة 2016، مشيرا إلى وجود تحسّن ملحوظ في أداء وزارة الداخلية، إذ أن عدد الإبلاغات الواردة بخصوص وزارة الداخلية وصلت إلى 13 بالمائة سنة 2016 وتقلّصت إلى 5 بالمائة فقط سنة 2017. وأضاف أن مداخيل سلك الديوانة تضاعفت بحوالي 8 مرات، سنة 2017، بفضل المجهودات في مجال مكافحة الفساد.
وأفاد بأن الوزارت التي لم تستجب لطلبات الهيئة في مدّها بالإحالات على القضاء هي وزارة العدل ووزارة الشؤون الدينية ووزارة التنمية والإستثمار والتعاون الدولي، ملاحظا في هذا الإطار أن 21 وزارة وهيكلا عموميا وقعت اتفاقيات تعاون مع الهيئة، في حين لم توقع هذه الوزارات الثلاث اتفاقيات مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وفي هذا الصدد عبّر شوقي الطبيب عن استغرابه “إحجام وزارة العدل عن التعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، معتبرا أن “القضاء ما يزال يشكل العقبة الكبرى في طريق مكافحة الفساد”.
وقال إن التعاطي مع موضوع مكافحة الفساد، “لم يحظ بعد في تونس بالمكانة التي يستحق، إذ أنه لم يقع فتح حوار جدي ومسؤول حول منظومة الفساد ولا المرور إلى ما بعد الإحالات على القضاء والمساءلة القضائية وهي مراحل حتمية وضرورية في نهاية الأمر، لكنّها لا تمثّل الحل الوحيد لمعالجة هذه المعظلة في البلاد”.
وأكد أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “لم تستثن أي مسؤول تعلقت به شبهة فساد، مهما كانت مسؤوليته، من إحالته على القضاء”، مشيرا إلى أن “الهيئة لم تتعرض إلى الضغط، من أي نوع كان أو إلى التدخل في عملها، غير أن عدم التضييق على الهيئة لم يمنع من تعويم ملفات فساد في أحيان كثيرة”.