يوم فارق تعيشه تونس اليوم على وقع الاضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام الذي ينفذه الإتحاد العام التونسي للشغل تحت شعار “إضراب السيادة قبل الزيادة”، حيث شلت الحركة في تونس العاصمة على غير العادة، وبدت محطات الأرتال والمترو والحافلات مقفرة من الموظفين والأعوان والمواطنين وخلت المدارس من تلاميذها وأوصدت المؤسسات العمومية من إدارات وهياكل أبوابها.
تونس العاصمة اليوم أقفرت من كل شيء إلا من الحواجز الحديدية التي ملأت المكان، ونصبت في كل المنافذ الفرعية المؤدية إلى ساحة محمد علي، وسط تعزيزات أمنية مكثفة وانتشار نقاط التفتيش للتثبت من هويات كل المارين وما يحملونه من حقائب وامتعة، علما وانه تم منع وقوف جميع انواع اصناف العربات بشارع الحبيب بورقيبة.
وتوافدت حشود كبيرة من الموظفين والعمال والنقابيين والمواطنين على ساحة محمد علي للمشاركة في فعاليات الاضراب، اين استقبلهم الامين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، برمي الورود من الشرفة، وتعالت في الساحة الاصوات المنادية بالعدالة والتنمية وبالحفاظ على رغيف المواطن وسيادة الوطن، بعيدا عن الاملاءات الخارجية وسياسات الارتهان للاجنبي.
و من الشوارع المجاورة وفي اتجاه البطحاء، خرجت المسيرات وصدحت القوى القاعدية للاتحاد العام التونسي للشغل والعمال والموظفون خلال تجمعهم بصوت واحد عديد الشعارات،على غرار”شادين شادين في حقوق الشغالين” و”السيادة الوطنية خط احمر” ، ليعلق احدهم ان “الاضراب اليوم من اجل افتكاك حقوق الشغالين وحفظ كرامة المتقاعدين، اضراب اعاد لعلم تونس حضوره ليذكرك بان تونس لكل التونسيين وان العلم المفدى فوق كل اعتبار”.
واتهم كثيرون ممن توجهت لهم موفدة (وات) بالسؤال الحكومة واحزاب بعينها بتقويض المناخ الاجتماعي وزرع الفتنة وتفقير الموظفين و ابناء الشعب الواحد لاغراض سياسية ضيقة وفرض اجندات من شانها مزيد تغلغل الفساد والتهريب والاثراء غير المشروع لاقلية على حساب الموظفين والكادحين.
و شدد اخرون على شرعية الاضراب العام اليوم كوسيلة ضغط على الحكومة، ازاء ما تعيشه الطبقة الشغيلة والفئات المهمشة من حالة احباط وياس، وفشل المسيرين للشان العام في ظل غياب العدالة الاجتماعية والتهاب الاسعار غير المسبوق والانهيار الكلي للمقدرة الشرائية.
وكثر ايضا من اعترضتهم موفدة (وات) وقد غمرتهم حماسة النضال من اجل العيش الكريم والعيش بكرامة، فالحكومات اصبحت، وفق محمد وهو أستاذ جامعي، “عبئا على تونس والمشهد العام اضحى يهدد تطلعات الشعب الى بناء جمهورية ديمقراطية بعد الثورة”، مضيفا انه بين وحل الفقر والتهميش وشباك الارتهان للمنظمات العالمية، اندثرت الطبقة الوسطى التي تشكل الكتلة الاكبر في المجتمع، وضاع معها كل امل في غد افضل.
مواطن آخر اطلق صيحة فزع مما تعيشه تونس اليوم، فالشعب قد اثقلته الاسعار المشطة ومعاليم الاداءات في كل تفاصيل الحياة، ليستنكر ايضا الصراع الدائر بين الاطراف المتناحرة على سدة الحكم والشغف بالمناصب وتوظيف الدولة لخدمة المصالح الحزبية، بعيدا عن خدمة المواطن والصالح العام على حد تعبيره
فاطمة، استاذة قالت ان تونس اليوم تعيش ازمة متفاقمة وهي موجودة اليوم لمساندة الاتحاد في يوم الاضراب العام، فالمواطن التونسي اليوم يكابد معاناة يومية، ازاء فقدان الادوية وانقطاع الماء المتكرر وتجميد الاجور وانهيار الدينار وتدهور المقدرة الشرائية وسط ازمة سياسة خانقة، وصراع محموم بين رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة عوض الالتفات الى تحسين حياة المواطن.
“الثورة التي صنعها الشباب المفقر والمهمش اضحت غنيمة اليوم بين ايادي “الانتهازيين”، كلمات رددها موظف، هو الاخر فقد الامل في الغد المشرق امام انسداد الافق، قائلا ان الاتحاد اليوم يظل القوة الوحيدة اليوم التي تستطيع مجابهة الحكومة والانتهازيين والسياسات غير العادلة ومناصرة الموظفين والشغالين والكادحين في الارض.
زينب، عون باحدى الوزارات تذمرت من فقدان الحليب والبيض والزيت و”السميد” والادوية في الصيدليات، متسائلة في مرارة ” أ هذه تونس الخضراء التي يجوع فيها مواطنوها ؟ويموتون لعجزهم عن العلاج وليس لديهم الامكانيات للتدواي، ومضيفة “ساناضل من اجل رغيف العيش وانا مع الاضراب اليوم لعل الحكومة تستفيق من سباتها وتعلم ان هناك شعبا لن يستسلم وسيدافع دوما عن حقوقه”.
وغير بعيد عن حشود الموظفين والنقابيين ، لم يضرب المواطنون عن احتساء القهوة بمقاهي شارع الحبيب بورقيبة التي ازدحمت بمرتاديها، كما فتحت المحلات التجارية والدكاكين ابوابها في الشوارع والاسواق ،وسط قمامة متناثرة على امتداد سوق القصبة، وبين جنبات الشوارع، وفي محيط عديد المؤسسات العمومية ،اذ لم يقم أعوان النظافة برفع الفضلات والنفايات.
كما بدات تدب الحياة في السوق المركزية في البهو والفضاء المخصص للاسماك وبين منعطفاته، حيث قلت وتيرة الاقبال عليه اليوم بسبب الاضراب، وخوفا من حدوث انفلاتات واندساس بعض المخربين بين الناس للسلب والنهب، حسب تعليق احد بائعي الفواكه بالسوق
واستقل الكثير من المواطنين الذين اعترضتهم موفدة (وات) سيارات التاكسي للالتحاق بعملهم باعتبارهم منضوين تحت القطاع الخاص او للتبضع والتجول والاطلاع على الاجواء في تونس العاصمة ، كما فتحت البنوك ابوابها اليوم ليكتفي اطارات الشركة التونسية للبنك بالعمل الى حد الساعة العاشرة صباحا ضمانا لعدم انخرام المعاملات المالية وخاصة منها المتعلقة بالصكوك، وفق تصريح احد الموظفات بالبنك .
وقال الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المكلف بالوظيفة العمومية ، منعم عميرة، ل(وات) ان قرار الاضراب العام اليوم جاء بعد تخلي الحكومة عن التزاماتها وعدم تفعيل عديد البنود في الاتفاق الممضى بين الطرفين حول النظام الاساسي العام لاعوان الدواوين والمؤسسات العمومية والتي تنتهي اعمالها في اجل اقصاه 31 ديسمبر 2018.
وأضاف انه لم يتم تفعيل تركيز لجان للنظر في المؤسسات التي تشكو صعوبات لاصلاحها كما لم تلتزم الحكومة بتعهداتها بخصوص ضبط اليات عملية التحكم في الاسعار واعادة هيكلة ومراقبة مسالك التوزيع، بما فيها اسواق اسواق الجملة، لافتا الى عدم تفعيل الحكومة ايضا للبند المتعلق ببعث لجنة مشتركة بينها وبين الاتحاد لدارسة اصلاح منظومة الدعم المباشر وغير المباشر.
وبالنسبة للزيادات في الوظيفة العمومية، قال ان الحكومة التفت على بروتوكول الاتفاق الممضى بين الامين العام للاتحاد ورئيس الحكومة والذي ينص على الزيادات في الاجور لاعوان الوظيفة العمومية للسنوات 2017و2018و2019 ، حيث اقرت الزيادة فقط بقيمة 70 د في ديسمبر 2018 وقسط ثان ب110 د في جانفي 2020 وسيقع احتسابها كاعتماد جبائي.
واضاف عميرة ان صيغة الاعتماد الجبائي والتخفيض في الاداء تقصي المتقاعدين الذين لا يستطيعون التمتع بها، باعتبار ان هذه الزيادة لا تدمج في عناصر التاجير ، قائلا ان الاتحاد قد رفض رفضا قاطعا هذه المقترحات ازاء “تلاعب الحكومة وعدم مصداقيتها في التفاوض”، على حد قوله.
يذكر انه صدر بالرائد الرسمي يوم امس امر حكومي يسخر بمقتضاه بعض الاعوان التابعين لبعض الوزارات والمؤسسات والمنشئات العمومية يوم الاضراب العام، على غرار وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والتهيئة الترابية والوكالة البلدية للخدمات البيئية والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات
جدير بالذكر ايضا ان الهيئة الادارية الوطنية للاتحاد ستعقد اجتماعا يوم السبت القادم لتحديد الاشكال النضالية في المرحلة القادمة.
ويشار الى ان 750 الف عون وموظف من القطاع العام والوظيفة العمومية ينفذون اليوم اضرابا عموميا، وذلك بعد فشل جلسات التفاوض بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة حول الزيادة في الاجور في الوظيفة العمومي.