قرّرت المحكمة الإدارية، في حكم استعجالي، الإذن بتوقيف قرار مجلس هيئة الحقيقة والكرامة المؤرخ في 3 جويلية 2018 المتعلق بضبط إجراءات الأعمال الختامية وإجراءات التصفية جزئيا بخصوص إجراءات التسليم وإحالة أصولات الهيئة إلى جهات أخرى، إلى حين البت في الدعوى الأصلية التى وردت على الهيئة من قبل وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية بتاريخ 2 جانفي 2019.
ووفق نص الحكم الذى جاء في 12 صفحة وتحصّلت (وات) على نسخة منه، فقد أذنت المحكمة بأن “تواصل الهيئة أعمال التصفية، دون غيرها من الأعمال، إلى غاية 31 ماي 2019، وأن لا تقوم بأية إجراءات تندرج ضمن الأعمال الأصلية للهيئة التى نص عليها قانون العدالة الإنتقالية”.
ونص القرار القضائي بأن تتم خلال فترة التصفية، دعوة مجلس الهيئة إلى الانعقاد للنظر والمصادقة على التقارير المالية الخاصة باستكمال أعمال التصفية وكلما اقتضت الضرورة ذلك، ولا يتعداها إلى ممارسة الأعمال الأصلية للهيئة أو مهام لا صلة لها بأعمال التصفية.
كما ألزم الحكم الهيئة بارجاع ممتلكاتها إلى الدولة، طبقا للإجراءات المعمول بها في هذا المجال، وتكون وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية المخولة لذلك، ونص الحكم على أن “انتصاب رئيسة الهيئة مصفية لممتلكاتها يعتبر مخالفا للقانون”.
ونص كذلك على “أن تسليم قرارات جبر الضرر للمنتفعين بها، لا يعنى اتخاذ قرارات خلال فترة التصفية وإنما مواصلة تسليم القرارات الجاهزة منذ 31 ديسمبر 2018” ، وهو أمر أكّده محامى الهيئة وفق ما جاء في وثيقة الحكم.
وفسّر القاضي الإداري السابق، أحمد صواب، هذا الحكم ، في تصريح اليوم الإثنين، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بأن المحكمة الإدارية نصّت على انتهاء القرارات الملزمة قانونا وبت الهيئة في أمور أصلية وهى التحقيق والأعمال الإستقصائية وإصدار قرارات جبر الضرر يوم 31 ديسمبر 2018 أي أنه لا يمكن لها اتخاذ قرارات خلال فترة التصفية التى تنتهي يوم 31 ماي 2019.
وأوضح أنه بعد تاريخ 31 ديسمبر 2018، انتهت السلطة التقريرية للهيئة وحلت محلها سلطة جديدة وهى سلطة التصفية، مشيرا إلى أن ذلك يعني أن الهيئة لا يمكنها أن تبيع المنقولات أو أن تنتدب موظّفين، وعليها القيام بإحالة ما بقي وما قُرّر فى شأنه إما للدولة أو للقضاء أو للمواطن، على غرار الملفات والمنقولات والعربات والمحلات التى وقع كراؤها والأعوان الذين تم إلحاقهم بالهيئة.
وأضاف صواب أن المحكمة الإدارية ومن الناحية التقنية، تعاملت مع القضية وكأنها قضية أصلية وليست استعجالية، فقد جاء نص الحكم في 12 صفحة ضمت ردود محامي الهيئة حول مختلف جوانب الدعوى.
وقال في هذا الصدد: “الحكم يعتبر نوعا ما تراجعا عن الأحكام الصادرة سابقا عن المحكمة الإدارية، التى أقرت فيها أنه لا عمل بقرارات صادرة عن مجلس الهيئة الذى ينقصه النصاب القانوني”، مبينا أنه طالما أن هذا النصاب لم يتغيّر، فالمنطق القانوني كان يفرض مراعاة هذه المسألة.
وتساءل من ناحية أخرى: “لماذا تقبل هيئة الحقيقة والكرامة بأحكام المحكمة الإدارية التي تتماشي معها وترفض في المقابل تنفيذ قرارات سابقة حكمت فيها هذه المحكمة ضد الهيئة”.
في المقابل، أكدت رئيسة لجنة جبر الضرر بالهيئة، حياة الورتانى التي أنهت نشاطها في الهيئة منذ 31 ديسمبر 2018، أن مجلس الهيئة صادق على قرارات جبر الضرر قبل نهاية العام الماضي، مشيرة إلى أن الهيئة تعمل حاليا على تسليم القرارات إلى الضحايا.
وأضافت أن تسليم القرارات وهى تعد بالآلاف (63 ألفا حسب محامي الهيئة) يحتاج إلى عمل كبير وإلى مجهود من حيث صعوبة الإتصال بالمعنيين بتلك القرارات، معتبرة أن الضرر الحقيقي يتمثل في ترك عشرات الآلاف من الضحايا دون تسلّم قراراتهم في جبر الضرر.
أما العضو السابق في مجلس هيئة الحقيقة والكرامة والناشط فى مجال العدالة الإنتقالية، زهير مخلوف ، لاحظ أن رئيسة الهيئة لم تقم بعد بامضاء جميع القرارات الفردية، مشيرا إلى “وجود تصريحات من قبل أعضاء فى الهيئة تفيد بأنها مازالت لم تستكمل بعد إعداد هذه القرارات، وستفتح باب الطعون فيها، وهو أمر أبطلته المحكمة الإدارية”، حسب رأيه.
كما أعرب عن خشيته من أن تقوم رئيسة الهيئة بتزوير القرارات بالإمضاء عليها بتواريخ قبل انتهاء المدة القانونية التي أقرتها المحكمة يوم 31 ديسمبر 2018، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يعرّض الهيئة إلى المؤاخذات الجزائية ويحرم الضحايا بالتالي من التعويضات وجبر الضرر.
يذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة كانت أفادت في بلاغ لها السبت بأن المحكمة الإدارية أصدرت قرارا يوم 4 فيفري الجاري يقضي برفض طلب وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الرامي إلى إيقاف الأعمال الختامية للهيئة.
وأقرت المحكمة شرعية مواصلة أعمال التصفية إلى حد التاريخ الذي اقره مجلس الهيئة وهو يوم 31 ماي 2019 كما أقرت عدم جواز تسليم أصول هيئة الحقيقة والكرامة إلى “جهات أخرى”، وفق نص البلاغ.
وعبرت الهيئة في بلاغها عن التزامها بتنفيذ القرار المعني والتنسيق مع وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في هذا الشأن، مشيرة إلى أنها لم تسلم أية أصول أو تجهيزات إلى غير الجهات العمومية وأنها أرسلت إلى الوزارة المذكورة جردا كاملا في جملة الإحالات التي قامت بها.
وأضافت أن طلب وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية من شأنه أن يؤدي إلى حرمان عشرات الآلاف من الضحايا من تسلم قرارات جبر ضررهم ومنع الهيئة من المصادقة على قوائمها المالية وإحالة أرشيفها للأرشيف الوطني وتسليم ممتلكاتها وأصولها في كنف الشفافية بعد استيفاء كافة الإجراءات الإدارية والمالية