صدر عن دار آفاق – برسبكتيف للنشر بتونس مطلع السنة الحالية كتاب جديد بعنوان “وصف تونس في بداية القرن العشرين”. وورد هذا الإصدار في شكل شهادات للسياسي المصري محمد فريد ومواطنه الكاتب الصحفي والداعية الإسلامي علي أحمد الجرجاوي، وهو إصدار يندرج ضمن أدب الرحلات.
هذا الكتاب الذي تضمن 171 صفحة، قدّمه ودقّقه الكاتب التونسي أنس الشابي. وجمع فيه شهادات كلّ من محمد فريد وعلي أحمد الجرجاوي حول رحلتيهما إلى تونس في بدايات القرن العشرين، حيث تحدّث محمد فريد عن زيارته لعدد من المدن والقرى ووصف ما شاهده وما عاينه من قصور ومحلات وأنهج، وتحدث عن لقائه بمحامين وشيوخ وصحفيين.
يُفرد محمد فريد في شهادته، عددا من المدن في ضواحي العاصمة بوصف دقيق عن سكانها ومعمارها، ومن هذه المدن ذكر حلق الوادي وسيدي بوسعيد وحمام الأنف ورادس وقرطاج درمش والكرم وسراي باردو حيث كان الباي يُجري مقابلاته الرسمية. كما وصف مدن بنزرت والقيروان وسوسة والجم وصفاقس وقابس.
ويُعرّج في شهادته عن تونس، على التركيبة السكانية للايالة التونسية وتحديدا سكان الحاضرة ملاحظ آنذاك أن “نصفهم من المسلمين ونصف النصف الباقي من اليهود والربع الأخير من أجناس مختلفة أكثرهم من الطليان والمالطية”. وضمّن في شهادته طرق تسيير الدولة من قبل الاحتلال الفرنسي، ونظام التعليم والمدارس في تونس بالإضافة إلى النظام القضائي.
أما عن رحلة الجرجاوي إلى، فقد تضمنت شهادة تتعلق بلقائه بالمقيم الفرنسي بتونس وما دار بينهما من حديث حول رغبته في لقاء الباي. كما وثّق في شهادته بعض الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق أبناء تونس.
في شهادة علي أحمد الجرجاوي وصف لتونس بالإجمال من تنظيم عمراني وحركة التجارة بها. وتحدّث عن أخلاق أهل تونس، فوصفها بأنها حسنة “يُكرِمون الغريب الوافد إليهم وهذا ينفي ما هو شائع لدى العامة من بخل أهل المغرب، وقد يجوز وجود البخل في بعض بلاد المغرب الأقصى ولكن غير أهل تونس”.
ولا تختلف شهادة علي أحمد الجرجاوي كثيرا عن شهادة محمد فريد في وصف حالة التعليم في تونس. وتحدّث عن الصحافة في تونس وعن أهم الإصدارات كجريدة “الرشدية” و”الزهرة” و”الصواب” والحاضرة”. وعن سياسة فرنسا في تونس، قال إنها “تعامل الأهالي معاملة الإذلال والضغط… فالوظائف العالية كلها في يد الفرنسويين والأمر والنهي بيدهم يفعلون كيف يشاؤون شأن الحاكم المستبد المطلق”. وقدم مقارنة بين سياسة فرنسا في تونس والجزائر وسياسة انقلترا في مصر.
واستعرض الجرجاوي زيارته لباي تونس محمد باشا الناصر باي، وكذلك زيارته للمقيم العام الفرنسي بتونس “بيشون”. ولم ينس أن يُضمّن شهادته بحديث عن الحركة الأدبية التونسية، فسمّى من رجالات الأدب البشير صفر ومحمد الجعايبي وعبد الرحمان الصنادلي وحسين بن عثمان وأحمد القبايلي والشاعر محمد علي الزريبي.
كتاب “وصف تونس في بداية القرن العشرين” هو وثيقة شاهدة على حقبة زمنية من تاريخ تونس الحديث، تنقل عبق الحياة اليومية للتونسيين، والوضع الاجتماعي والسياسي بالخصوص في تلك الفترة. وهو عبارة عن جولة بالقارئ رفقة كاميرا في الشوارع الرئيسية التي أنشأها الاستعمار الفرنسي في العاصمة، كما تنتقل به بين أزقة المدينة العتيقة حيث يصف محمد فريد خصائص الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة وأسواقها وجوامعها على غرار جامع الزيتونة وجامع حمودة باشا وجامع صاحب الطابع وجامع سيدي محرز وغيرها.