“الوظيفة العمومية .. الاصلاح الذي طال انتظاره” و”من الرقاب الى صفاقس … المسار الاجرامي للثورة” و”مرة أخرى أداء المسؤولين لم يكن مقنعا … والخطاب لا يرتقي الى مستوى الفاجعة” و”منظومة للاخلاق المواطنية”، مثلت أبرز العناوين التي تصدرت الصفحات الاولى للجرائد التونسية الصادرة اليوم الخميس.
اعتبرت جريدة (المغرب) في افتتاحيتها اليوم، أن الارقام التي قدمتها يوم أمس، فضيلة الدريدي، رئيسة الهيئة العامة للوظيفة العمومية، رغم أنها صادمة وتؤشر على مدى عمق أزمة حوكمة الدولة، الا أنها تؤكد فقط ما يعلمه كل المعنيين بالامر وما يرفضون العمل به والاصلاح بمقتضاه مشيرة الى أنه يكفي أن نعلم أن عدد الموظفين كان في حدود 450 ألف سنة 2010 بلغ في موفى سنة 2018 حوالي 670 ألف أي بنسبة زيادة صافية ب50 بالمائة وبكتلة أجور بلغت 7ر15 بالمائة من الناتج الاجمالي الداخلي وهي من أرفع النسب في العالم ان لم تكن اليوم هي الارفع باطلاق ويكفي أن نعلم أن هذا المعدل هو دون 10 بالمائة بالنسبة لدول الاتحاد الاوروبي سنة 2017 وينزل تحت 8 بالمائة في بلد كألمانيا.
وأشارت الى أننا لا نقارن أجور الموظفين في تونس بنظرائهم في الدول المتقدمة ولكن بالواقع الذي تمثله بالنسبة لمجموع القيمة المضافة في البلاد مبينة أن هذا الرقم يكفي للدلالة على خور كل ما يردد في مواقع اعلامية وسياسية عدة بأن الدولة التونسية بصدد التفريط في المنظومة العمومية حيث أن الحقيقة التي لا نريد الاعتراف بها هي أن الانفاق العمومي في تونس مرتفع جدا ولكنه عشوائي وغير منظم وذو جدوى عملية وخدماتية ضعيفة.
وأبرزت أن وضعنا لم يكن مثاليا سنة 2010 ولكنه ازداد سوءا بالانتدابات العشوائية التي حصلت تحت ضغط الاحتجاجات الاجتماعية أو النقابية أو بمقتضى العفو التشريعي العام ولم تتم في الاقسام والادارات ذات الاولوية مما نشأ عنه خلل متفاقم .. نقص فادح في مواقع حساسة بل وحيوية وكثافة ادارية في مواقع أخرى تعيق حتى انسيابية العمل العادي فيها لافتة الى أن النقاش العام في تونس غير سوي لانه لا يأخذ بعين الاعتبار كل معطيات قضية ما بصفة متكاملة ومتضامنة.
وتطرقت (الشروق) من جانبها الى ما اعتبرتها “فضيحة جديدة” شهدتها احدى المؤسسات التربوية بصفاقس كان ضحاياها أكثر من عشرين تلميذا وتلميذة كانوا ضحايا مرب كان من المفروض أن يكون أحرص الناس على السلامة النفسية والجسدية لتلاميذه وتزامنت هذه الجريمة البشعة مع أكثر من 14 رضيعا توفاهم الله في عمر البراءة لاسباب مازالت موضوع نظر وتحقيق قضائي لتنضاف هذه المحن الى محنة مدرسة الرقاب أو محتشد الرقاب الذي أثار الكثير من ردود الفعل ليس في تونس فقط بل في العالم اذ اعتبر تجنيد الاطفال في الرقاب جريمة ضد الطفولة وضد الاطفال الابرياء الذين تم الزج بهم في منظومة التعليم الداعشي وحرموا من طفولتهم بتواطؤ من عائلاتهم.
واعتبرت أن ما حدث في صفاقس وفي مستشفى الرابطة وقبلهما في الرقاب يؤكد تراجع منظومة حياة الطفولة التي كان مؤشرها الغاء الاحتفال باليوم الوطني منذ 2011 الذي كان مقررا كل يوم 11 جانفي وهو عيد رمزي يؤكد اهتمام الدولة بالطفولة والتنويه بمجلة حقوق الطفل التي تم تجاهلها كما تم “اعدام” مجلة “عرفان” التي شكلت ذاكرة أجيال تونسية وتهميش المنظمة التونسية للمصائف والجولات والسطو على الكشافة التونسية من حركة النهضة، وفق ما ورد بالصحيفة.
وأشارت في هذا الصدد الى أن ما نراه كل يوم من جرائم ضد الاطفال هو النتيجة الطبيعية لهذا المسار الاجرامي لما يعرف بالثورة التونسية متسائلة هل هناك ثورة واحدة في العالم استهدفت الاطفال واغتالت الطفولة؟.
ووقفت (الصحافة) في ورقة خاصة، على كيفية تعاطي الخطاب السياسي والحكومي مع فاجعة وفاة الرضع وتحدثت الى المحلل السياسي، حسان قصار، الذي أشار الى أن الفاجعة كبرى وتنم عن انهيار كلي للمنظومة الادارية عموما ومنظومة الصحة العمومية على وجه الخصوص وهو ما ينبئ بانهيار كلي للبلاد مضيفا أن الانهيار ينطلق من حارس البوابة الليلي للمستشفى الى رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية اذ افتقدت الدولة “لمخالبها” وضعفت الى درجة بلغ بها الوهن ان لم يعد هناك من يستطيع السيطرة على أي حلقة من حلقات ادارة الشأن العام وادارة المستشفيات كحلقة مكملة لهذه الحلقات.
أما عن الخطاب السياسي الذي صاحب الفاجعة فقد أكد قصار أنه لا يرتقي الى مستوى الحادثة واصفا المستوى الاتصالي للحكومة بالهزيل والهاوي محذرا من شهر أفريل وما قد يخفيه من مآس قبل تاريخ اللاعودة بخصوص ازاحة رئيس الحكومة اذ لا يمكن دستوريا ازاحة الشاهد وحكومته قبل 6 أشهر من موعد الانتخابات التشريعية أي مع 20 أفريل المقبل معتبرا أن ازاحة الشاهد قد بلغت لدى البعض حد مسألة الموت أو الحياة.
كما خلص الى أن الخطاب السياسي في التعامل مع حادثة وفاة الرضع لا يرتقي الى الحد الادنى في احترام قيم الدولة وتسييرها وليس له علاقة بانقاذ البلاد معتبرا أن الخصومة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بلغت حدا أضر بالبلاد وبتسيير شؤون الدولة التي أصبحت في أسوا وضعياتها وحالاتها.
ولاحظت (الصباح) في مقالها الافتتاحي، أن هناك ثنائية تحكم المشهد السياسي اليوم في تونس وهي هيبة دولة ضائعة وسقوط أخلاقي رهيب مشيرة الى أنه كل أسبوع ان لم نقل كل يوم يحمل معه المزيد من مؤشرات النزيف الاعتباري لمفهوم الدولة وعلوية القانون والمزيد من الانهيار القيمي والسلوكي وقد لا نحتاج دليلا على ذلك أكثر من التأمل في “الحصاد المر” لبحر الاسبوع الجاري بداية بفاجعة الولدان بمستشفى الرابطة مرورا بالتعاطي الرسمي والحزبي السياسي معها وصولا الى حادثة اعتداء مربي بالفاحشة والتحرش الجنسي على عدد من تلاميذه باحدى المدارس الابتدائية بصفاقس.
وأضافت أن الثورة حملت معها انفلاتات كيفها الكثيرون في البداية بالامر الطبيعي بعد سنوات من الكبت ولد تسونامي من الفوضى والتجاوزات وكسر كل القيود والضوابط بما فيها السياسية والمهنية والاخلاقية لكن مع مرور الوقت تصاعدت وتيرة الاعتداءات وتجاوزنا كل الخطوط الحمراء على كل مشترك يجمعنا ضمن اطار الدولة والمجتمع مرة تحت لافتة الحرية ومرة باسم الدربة على الديمقراطية وأصبحت اليوم على قدر من الخطورة لتهدد كيان الدولة وتماسك المجتمع وأمن البلاد والعباد وتؤذن بالخراب لا محالة ان لم تحصل الصدمة الايجابية والمرور بسرعة لردة الفعل.
واعتبرت أن الثورة تحتاج لاستكمال مسارها المعطل الى الشروع في الثورة الحقيقية “ثورة الاخلاق والسلوك” التي يتعين على المجتمع بكل أطيافه ومؤسساته الوقوف على بابها دولة واستراتيجيات وبرامج ورجال حكم ومواطنين.