الزيادة الاخيرة في اسعار المحروقات، القطرة التي أفاضت الكأس 


أثار قرار الحكومة الاخير الزيادة في أسعار المحروقات ردود فعل عديدة من قبل المنظمات المهنية الوطنية وكذلك من قبل المواطنين.

ويبرهن هذا القرار الذي أدى أيضا إلى احتجاجات ما انفكت تتصاعد منذ أمس الاثنين “عجز الحكومة الملحوظ أمام الملفات الحارقة في البلاد”، حسب راي الخبير الاقتصاي أرام بالحاج.

ويذكر أن الحكومة قررت الزيادة في سعر البنزين دون رصاص والغازوال ب80 مليم وب90 مليم في سعر الغازوال العادي. ليصبح اللتر الواحد من هذه المحروقات يباع، على التوالي ب 2065 مليم و1825 مليم 1570 مليم.

//فشل وغياب مصداقية في سياسة الاتصال//

لقد قررت الحكومة الزيادة في اسعار المحروقات في الوقت الذي تتجه فيه أنظار أغلبية الرأي العام التونسي إلى القمة العربية التي أقيمت في تونس في 31 مارس 2019.
وارتأت وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة أن تعلن عن هذه الزيادة في بيان صدر السبت 31 مارس 2019 قبل منتصف الليل بقليل.

وفي نص البيان اقتصرت الوزارة على القول أن الزيادة جاءت نتيجة ” الإرتفاع المتواصل لأسعار النفط ومشتقاته في السوق العالميّة، حيث تجاوز سعر النفط الخام خلال الفترة الأخيرة من هذه السنة عتبة 68 دولارا للبرميل، واستنادا إلى آليّة التعديل الدوري لأسعار المحروقات، تقرّر إدخال تعديل جزئي على أسعار البيع للعموم لبعض المواد البتروليّة”.

وكان وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، سليم الفرياني قد نفي (قبل قرار الزيادة بايام) نية الحكومة الزيادة في اسعار المحروقات. وقال في تصريح اعلامي، على هامش يوم دراسي انتظم في 5 مارس بمقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، حول “كلفة الطاقة بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية”، “إن الحكومة لا تنوي اي زيادة في اسعار المحروقات على عكس ما تروجه بعض وسائل الاعلام”.

وذهب الفرياني إلى أبعد من ذلك، ليقول أن “الحديث عن زيادة في سعر المحروقات هو مجرد إشاعة”، مذكرا برصد اعتمادات بقيمة 8ر2 مليار دينار لدعم المحروقات، في إطار ميزانية الدولة لسنة 2019 مقابل 7ر2 مليار دينار سنة 2018.

واضاف ان الحكومة لجأت في السنة الماضية الى الترفيع في أسعار المحروقات بعد مضاعفة أسعار النفط في السوق العالمية إلى 80 دولار مقابل 40 دولار للبرميل في سنة 2017.
وقد أدلى بنفس هذه التصريحات في تصريح آخر يوم 21 مارس 2019 على اذاعة “شمس اف ام”.

ومن جهته، أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الثلاثاء، في تصريح اعلامي أنه “يتفهم الاحتجاجات على قرار الزيادة الا ان القرار ليس خيارا من الحكومة باعتبار ان البلاد تعاني من عجز في الطاقة “.

وقال الجامعي، أرام بلحاج، ل”وات”، ان “هذا الاجراء يبرز ان الحكومة تعاني من عجز ملحوظ امام الملفات الحارقة في البلاد. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا تعلن قبل أيام قليلة فقط بأن الحكومة لا تنوي زيادة أسعار النفط، ثم تقوم بعكس ذلك ؟ أليست هذه إشارة موجهة الى بعثة صندوق النقد الدولي الموجودة في تونس؟”.

وقد تم اتخاذ قرار الزيادة في اسعار المحروقات في الوقت الذي تؤدي فيه بعثة من صندوق النقد الدولي زيارة الى تونس “لمناقشة المراجعة الخامسة من القرض المبرم مع تونس” ، وهذا “التزامن الصدفة” اثار ردود فعل العديد من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم تقدم الحكومة تفسيرات بخصوص الزيادة الا بعد رفضها من قبل المنظمات النقابية والمهنية والاحزاب السياسية المعارضة.

وابرزت المنظمات المهنية أن الزيادة الأخيرة في المحروقات “التي تم اقرارها دون تشاور” هي الخامسة منذ بداية سنة 2018.

وفي هذا الصدد، اعرب الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن أسفه لعدم طلب رايه والتشاور معه رغم تكوين لجنة مشتركة بين الحكومة والاتحاد للنظر في أسعار الطاقة والاتفاق على مبدأ التنسيق في مثل هذه المواضيع. كما عبر عن استغرابه من هذه الزيادة رغم إعلان وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة قبل أيام قليلة عدم إعتزام الحكومة الترفيع فيها.

واعتبرت منظمة الاعراف أن اقرار الزيادة في أسعار المحروقات والتي دخلت حيز التنفيذ، أول أمس الأحد، 31 مارس 2019 “تمثل ضربة جديدة قاسمة للصناعة التونسية وخاصة القطاعات، التي تعتمد على “الغزوال” وعلى “الفيول” الثقيل وعلى الغاز المسيل.
كما عبر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عن “استغرابه من هذا القرار” مؤكدا انه سيزيد من خسائر الفلاحين والبحارة.

ومن جهته حذر كل من المجمع المهني للنقل واللوجستيك لكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية ”كونكت” والاتحاد الوطني لسيارات الاجرة “تاكسي”من التداعيات الخطيرة لهذا القرار على قطاع نقل الاشخاص (تاكسي ولواج) ونقل البضائع وكل المتدخلين في القطاع بصفة مباشرة وغير مباشرة. واكدا ان هذه الزيادة ستزيد من مصاعب الاف المهنيين.

قال الباحث أرام بلحاج، ان هذه الزيادة التي ستؤثر على جميع القطاعات (الفلاحة والصناعة والخدمات)، ستلغي تأثير الزيادة الأخيرة في الأجور وستزيد من حالة الاحتقان والشك الذي يميز مناخ الاعمال في تونس. وهذه الحكومة “غير قادرة على التفكير خارج القوالب الجاهزة ” وتسعى دائما إلى إيجاد حلول سهلة.

وشاطره الراي الخبير في الحوكمة الاقتصادية، معز جودي ، الذي اعتبر ان هذه الزيادة الجديدة “ستؤدي، إلى جانب الزيادة في سعر الفائدة المديرية ونسبة الفائدة الرئيسية التي وصلت إلى 90ر7 بالمائة، إلى مزيد تدهور القدرة الشرائية للمواطن وتؤثر على كلفة الاستثمار.

وكتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك “أمام الترفيع المضاعف لأسعار المحروقات ونسبة الفائدة المديرية، فإن الزيادة في الأجور الموقعة من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل تم تدميرها تماما”.

ومن جهة اخرى، انضم حزبان سياسيان إلى حد الآن لهذا التحرك الرافض للقرار الاخير. اذ أعلن الحزب الجمهوري، في بيان له، عن رفضه للزيادات التي تعكس “عجز الحكومة وفشلها في تحسين محركات التنمية والنمو في البلاد”.

وقال رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالبرلمان وعضو حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد)، منجي الرحوي إن “الحكومة نهبت الشعب”.

وقال الحزب في بيان له ان “هذه الزيادة غير مبررة خاصة وأن أسعار النفط العالمية منخفضة مقارنة بالسعر المرجعي الذي اعتمدته الحكومة في فرضيات قانون المالية لسنة 2019”.

كما أدان الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية بالبلاد، الترفيع في أسعار المحروقات “للمرة الخامسة في أقل من سنة وثلاثة أشهر، إضافة إلى القرار غير الشعبي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية بمائة نقطة أساسية في شهر فيفري الماضي”.

وبدوره قال الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، في بيانه، ان هياكله تحتفظ بحق “توخي كل الأشكال النضالية المشروعة احتجاجا على هذه الزيادة”.

وقد يأخذ الاحتجاج على القرار الحكومي منعرجات أخرى مع استمرار حملات قطع الطرقات المنظمة من قبل المهنيين والسائقين في عدد من المناطق بالبلاد اذ عمد عدد من سائقي شاحنات نقل البضائع، الثلاثاء، الى غلق مدخل مدينة قرمبالية في ولاية نابل على مستوى الطريق السيارة تونس الحمامات.

وفي جزيرة جربة قام سائقو سيارات التاكسي وسيارات الأجرة (لواج) بتحرك احتجاجي في مختلف المفترقات بالجزيرة السياحية. كما شهدت عدد من المناطق بولاية المنستير احتجاجات مماثلة منذ الاثنين الماضي.

ومن المنتظر أن تتصاعد الاحتجاجات يوم الخميس المقبل مع توجه الاتحاد التونسي للتاكسي الفردي للاحتجاج أمام مقر البرلمان.

فهل يمتص “تفهم” رئيس الحكومة، يوسف الشاهد حالة الاحتقان في وقت لا تدعو فيه المنظمات المهنية إلغاء هذه الزيادة فقط وإنما اتخاذ إجراءات مالية لدعم القطاعات المعنية.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.