يمثل معرض تونس الدولي للكتاب لافقط سوقا لبيع الكتب بل كذلك مناسبة لربط علاقات بين الناشرين والموزعين والمكتبيين وكل المتدخلين في صناعة الكتاب والنشر.
وفي هذا السياق التقت “وات” على هامش الدورة 35 للمعرض المقام بقصر المعارض بالكرم من 5 إلى 14 أفريل الحالي صاحبة دار ومكتبة ابن رشد في باريس، التونسية نجاة ميلاد، وهي أيضا نائبة رئيس شركة “غوتنبرغ اند كو” الفرنسية التي قامت باختراع “روبوت مطبعة” أطلق عليه اسم “غوتنبورغ وان” نسبة إلى الألماني يوهان غوتنبورغ (1395-1468) مخترع الطباعة الحديثة (1447) وقد تم عرض هذا الاختراع لأول مرة في صالون باريس للكتاب منذ نحو أسبوعين (15-18 مارس 2019).
واعتبرت في حديثها مع “وات” أن هذا الاختراع “سيغير عالم النشر والطباعة إذ سيتحول القارئ إلى طابع بعد أن يطبع بنفسه ويقتني الكتاب الذي يرغب فيه”. فبارتباط الروبوت بمنصة البيانات الرقمية بالانترنات يستطيع القارئ أن يطبع أي كتاب بأي لغة في زمن لا يتجاوز خمس دقائق، كما يوفر هذا الروبوت لضعاف البصر إمكانية طباعة الكتاب بحروف كبيرة (36) .
ويمكّن هذا “الروبوت” من توفير فرصة طباعة الكتب النافذة من المكتبات وكذلك الأموال التي تصرف على شحن الكتب وتخزينها وإتلافها أحيانا نظرا لعدم المعرفة المسبقة بالاحتياجات، فالناشر بهذا الشكل لن يطبع إلا ما يحتاجه من كتب، وبذلك يضمن توزيع كتابه في كل أنحاء العالم دون معاناة أو مصاريف.
ومن خصائص هذا الاختراع هو إمكانية تركيزه في أي مكان من العالم وفي مختلف الفضاءات سواء الثقافية أو التجارية أو الفضاءات العامة (مثل آلة الصراف البنكي لسحب الأموال) أو المؤسسات التربوية والجامعية وغيرها، حتى يكون قريبا من القارئ الذي يكفيه أن يبحث عن أقرب نقطة روبوت قريبة منه وأن يختار الكتاب عبر منصة تتضمن خارطة للكتب المتوفرة ويطبع كتابه في دقائق.
وبحسب نجاة ميلاد تضمن طريقة الطباعة هذه أيضا حقوق الناشر من خلال عقود رسمية تسمح له بفتح حساب على موقع انترنت “غوتنبرغ اند كو” كبائع يُسجل من خلاله كتبه ويتم إشعاره مباشرة بمجرد بيع أي من كتبه وتُحوّل أموال البيع لاحقا إلى حسابه البنكي..
نجاة ميلاد التونسية المقيمة في باريس والمتابعة للشأن الثقافي في تونس ولقطاع الكتاب والنشر بصفة خاصة، كانت أخذت على عاتقها سنة 2013 تحمل كل تكاليف جناح تونس في صالون الكتاب بباريس، والأنشطة المصاحبة له، عندما تقرر حينها، بعد الثورة، عدم المشاركة لأسباب متعددة. وقالت في حديثها مع “وات” أن حضورها في الدورة 35 لمعرض تونس الدولي للكتاب ليس لمجرد الترويج لهذا الاختراع الجديد فقط، بل كذلك من منطلق الحرص على أن تواكب صناعة الكتاب في تونس المستجدات الحاصلة على الصعيد الدولي، وأعربت عن أملها في أن تتولى وزارة الشؤون الثقافية الاطلاع عن كثب على مزايا هذا الروبوت المطبعة وتسجل خطوة هامة بجعله متاحا للقراء في تونس في عدد من الفضاءات الراجعة لها بالنظر.
وفي متابعة لآراء بعض المطبعيين والناشرين حول هذا الاختراع الجديد حاورت “وات” عددا من المختصين في مجال النشر ممن كانوا اكتشفوا “روبورت غوتنبورغ وان” في باريس الشهر الماضي، وتابعوا طريقة عمله فأبدى عدد منهم تفاؤله لما يوفره الروبوت من مزايا تتعلق بسرعة الطباعة وتوفير كلفة الشحن والتوزيع، كما يساعد على انتشار الكتاب في مختلف بلدان العالم، فيما عبر عدد آخر عن تحفظه إزاءه معتبرا أنه لن يعوض المطبعات الحالية.
الناشر التونسي صلاح الدين العياشي مدير دار النشر “ايريس” وهو أيضا صاحب مطبعة، نوه بما بلغته صناعة الكتاب والنشر من تطور تكنولوجي كبير مستبعدا في المقابل أن يكون هذا الاختراع في المستقبل قادرا على تعويض المطبعي أو الناشر والموزع. وأشار إلى أن تبني هذا الاختراع الجديد يتطلب أن يغير القارئ من عاداته وطريقة اقتنائه الكتب، فهو يستوجب ثقافة جديدة وممارسة مغايرة للراهن.
وأعرب عن تحفظه إزاء هذا “المطبعي الجديد” ، لافتا إلى أن استعمال هذا الروبوت يفترض معرفة مسبقة للقارئ بالكتاب الذي يودّ اقتناءه بينما توفر له المكتبات ومعارض الكتب فرصة للتجول بين الأروقة والاطلاع على مختلف الإصدارات. كما عبر عن شكوكه بخصوص نوعية الطباعة التي يوفرها مستبعدا قدرة هذا الروبوت مثلا على طباعة الكتاب الفني الذي يتطلب نوعية معينة من الورق والحبر للطباعة.
وفي المقابل تساءل الناشر منصف الشابي مدير ومؤسس دار نقوش عربية عن الفائدة الحقيقية التي سيمنحها هذا الاختراع للناشر معتبرا أن الأمر سيكون ذا جدوى إذا ما تعلق الأمر بطباعة عدد محدود من الكتب خاصة التي نفذت من الأسواق أما إذا ارتفع عدد الكتب المرغوب في طباعتها فمن الأفضل للناشر أن يتولى الطباعة عند المطبعات المتوفرة حاليا حتى لا تكون التكلفة أرفع. وقال إن ثمن الكتاب الذي توفره “غوتنبورغ وان” سيكون طبعا أرفع من ثمنه العادي وهو ما يدعو إلى التساؤل “هل لنا اليوم من القراء من هو مستعد لدفع ضعف ثمن الكتاب العادي حتى وإن اقتناه في بعض الدقائق؟”.
وفي رد غير مباشر عن هذا التساؤل أكد الناشر نوري عبيد صاحب دار محمد علي للنشر، أن القارئ التونسي مستعد لدفع ثمن أرفع بقليل من ثمن الكتاب المعروض في المكتبات خاصة إذا نفذ من السوق أو استعصى عليه الحصول عليه. ولفت إلى أن من أبرز مزايا هذا الاختراع هو أنه يوفر الوقت، مبينا أنه تابع جيدا عمل هذا الروبوت في صالون الكتاب بباريس وأكّد ان القارئ بإمكانه أن يحصل على الكتاب الذي يريد اقتناءه في خمس دقائق في حين يستوجب ذلك على الأقل 48 ساعة عبر مواقع بيت الكتب على الانترنات.
واعتبر أن هذا الروبوت من شأنه أن يساعد الناشر على طباعة عدد ضئيل من الكتب ويوفر بذلك أموالا طائلة لا تتيحها الطباعة على الطريقة الموجودة حاليا نظرا لتكلفة طباعة إصدار في سحب محدود. كما اعتبر أن من أهم مزايا هذا الاختراع هو طباعة الكتب النافذة من السوق أو إيصال الكتب خارج حدود بلد النشر. وعن إمكانية أن نرى مطبعة “غوتنبورغ وان” في تونس يوما ما قال سيكون من المهم أن تتوفر مثل هذه المطبعة بالمكتبة الوطنية على سبيل المثال حتى يتمكن القراء والباحثون من اقتناء الكتب النادرة أو النافذة في الأسواق وكذلك طباعة الإصدارات مرت سنوات على نشرها وأصبحت من ممتلكات الدولة.