“نزيف المؤسسات العمومية الى أين ؟” و”يتهافت عليها الجميع .. الوسطية ايديولوجية أحزاب بلا برامج” و”الحياة السياسية في تونس .. أزمة اخلاق وأي أخلاق؟ أم أزمة وضوح؟” و”من لا يلتزم بالقانون، هل يلتزم بميثاق أخلاقي؟”، مثلت أبرز العناوين التي تصدرت الصفحات الاولى للجرائد التونسية الصادرة اليوم السبت.
اعتبرت جريدة (الصحافة) في مقالها الافتتاحي، أن أهم ملامح أزمة تونس الراهنة هو حال المؤسسات العمومية الكبرى التي على الرغم من أنها دعامة للاقتصاد الوطني ولها دور اجتماعي الا أنها تردت في أزمة هيكلية ومادية خانقة من معالمها الاساسية العجز المالي اللافت حيث تقف غالبيتها على حافة الافلاس من جراء اغراقها في الديون مما جعل وضعيتها المالية صعبة وشائكة مع استشراء الفساد بشكل لافت صلبها.
وأضافت أن الواقعة الاخيرة التي تم تداولها بشأن شركة الخطوط التونسية والمتمثلة في اضراب الطيارين بشكل مفاجئ وتعطل الناقلة الوطنية خلق حالة من الارتباك والفوضى واضطرابات على مستوى الرحلات التي كانت مبرمجة وأثر كذلك على الحرفاء الذين بلغت تذمراتهم أقصى درجاتها وهم يعلنون عن استيائهم وغضبهم مما حدث مشيرة الى أن وضعية الشركة باتت أخطر من المتوقع لا سيما بعد أن باتت تصنف ضمن أسوا شركات الطيران في العالم على مستوى جودة الخدمات التي تقدم للحرفاء وعلى مستوى دقة مواعيد الرحلات وانضباطها.
وبينت أنه في ذات السياق، يثار حديث اليوم عن أزمة شركة الكهرباء والغاز التي عجزت عن استخلاص ديونها من المؤسسات العمومية وذلك في سياق سلسلة من العجز المالي التي تكبلها الى جانب تداول أخبار مفادها انقطاع الانترنت عن بعض المؤسسات الجامعية العمومية لانها لم تسدد الديون المتخلدة بذمتها مبينة أن أزمة المؤسسات العمومية خطر حقيقي يهدد التوازن الاقتصادي في بلادنا والسلم الاجتماعي أيضا نظرا للدور المركزي والمهم الذي تلعبه.
ورأت أن الوضع اليوم مازال ذاته ان لم نقل يزداد خطورة في ظل نزيف قاتل تعيشه المؤسسات العمومية بمختلف أنماطها بعد أن فشلت السلطات في خلق آليات للتصرف الناجع في عديد المؤسسات العمومية الكبرى التي تردت في أزمة متعددة الابعاد وبات من الضروري ايجاد حلول ناجعة وعاجلة لها.
وتطرقت (الشروق) في ورقة خاصة، الى مفهوم الوسطية الذي يعد أكثر المفاهيم استعمالا في الخطاب السياسي التونسي وأكثر الوجهات قبلة للسياسيين حيث أن كل المبادرات التي أثثت المشهد السياسي في الفترة الاخيرة بنيت على تبني “الوسط” كركيزة أساسية لتوجهات المبادرات والاحزاب حتى أصبح هذا المفهوم متآكلا وفاقدا لمعناه.
وأضافت أن الوسطية” أصبحت فكرة ارتجالية خارج أي طرح واقعي، فكل فراغ فكري أو برامجي في أي حزب من الاحزاب الموجودة في المشهد السياسي يتم ملأه بشعار الوسطية والاعتدال وهو ما جعل هذا التوجه الذي من المفترض أن يكون حلا للعديد من الاشكاليات ومهربا من التطرف، مادة للصراع.
ونقلت عن الكاتب والمؤرخ السياسي، عبد اللطيف الحناشي، قوله ان تبني أغلب الاحزاب والتيارات السياسية في تونس للوسطية ورفعها كشعار يعود أساسا الى العجز عن ابتكار مفاهيم سياسية جديدة ويؤكد أنه لا يوجد في تونس أحزاب معترف بها رسميا تتبنى المرجعية اليمينية المتطرفة أو المرجعية اليسارية المتطرفة مشيرا الى أنه حتى حركة النهضة لا تقول بانها تنتمي الى اليمين المحافظ بل تقول بأنها حزب محافظ فقط وأحزاب اليسار وخاصة حزب العمال يميل الى اليسار الاجتماعي أكثر من اليسار الراديكالي.
وشدد ذات المتحدث على أن مفهوم الوسطية لم يتبلور بدقة خاصة في برامج الاحزاب بل بقيت الوسطية شعارا يرفع في مواجهة حركة النهضة فقط معتبرا أن بروز الوسطية بشكل مكثف كمقولة في الفترة الماضية يمكن تفسيره ايضا بالعودة الى الارث البورقيبي، وفق ما ورد بالصحيفة.
وتطرقت صحيفة (المغرب) في افتتاحيتها اليوم، الى مقترح رئيس الحكومة يوسف الشاهد، حول ميثاق أخلاقي للاحزاب السياسية والذي أثار ردود فعل متباينة .. قبول وتثمين من قبل أحزاب الموالاة ورفض واستغراب من المعارضين، متسائلة هل تعيش الساحة العامة فعلا أزمة أخلاق وهل نحن متفقون على مضمون “الاخلاق” أم لا؟.
واعتبرت في هذا الخصوص، أن أكبر مهدد للاخلاق والسياسة وللبلاد ليس ذلك الشجار أو حتى السباب الذي يحصل بين الفينة والاخرى في مجلس نواب الشعب أو خارجه، بل هو تسرب الرشوة والفساد داخل الطبقة السياسية مما يجعلها تفقد نبلها وتحصل قطيعة كلية أو جزئية بين الشعب ونخبه السياسية مبرزة أن أخلقة العمل السياسي تبدأ أساسا باستبعاد كل المرتشين والمشبوهين منه وذلك بهدف فرض احترام صارم وكامل للقانون في تمويل الاحزاب وخاصة تمويل حملاتهم الانتخابية وهذا ما لم نتقدم فيه الى الان ولو قيد أنملة اذ أن كل الخروقات التي سجلتها دائرة في الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 بقيت دون أي تتبع قضائي ودون أي ردع.
ورأت أن أخلقة العمل السياسي تمر حتما عبر تخليصه من مختلف أشكال الفساد التي تسربت اليه ولكن الرقي بالحياة السياسية يتطلب كذلك أن يتمحور النقاش العام حول الافكار والمشاريع والاقتراحات ولهذا شرط أساسي لا يتوفر بالقدر الكافي عند طبقتنا السياسية وهو وضوح الافكار واختبار امكانيات التنفيذ ثم الالتزام الصريح بها لا محاولة تقديمها في شكل مغر لا يراعي الا مدى حسن تقبلها من الجمهور، حسب ما جاء بالصحيفة.
أما جريدة (الصباح) فقد اعتبرت، في سياق متصل، أن الامم التي تلزم نفسها بمواثيق أخلاقية هي بالضرورة قد بلغت درجة من التطور والوعي والشعور بالمسؤولية تجعلها تدرك أن المجتمعات لا تتقدم من خلال احترام القانون فحسب، وانما بالالتزام أيضا بمنظومة أخلاقية تكون بمثابة العطر الذي يمنح الحياة نكهة أفضل وأطيب، أما نحن فمازلنا نتجادل حول ضرورة تطبيق القانون على الزاميته وعلى ما يفترضه من تتبعات قانونية للمخلين متسائلة كيف لنا أن نمر بالسرعة القصوى الى الحديث عن ميثاق أخلاقي لا يحتكم الا لضمائر المعنيين بالامر؟.
وأضافت أن حاجة السياسيين اليوم الى اثبات مشروعية وجودهم (مشروعية أخلاقية بالاساس)، أمر حتمي خاصة بعد فشلهم في امتحان الحكم رغم أن أغلب المسؤولين الذين تداولوا على الحكم بعد الثورة يتمتعون بالشرعية القانونية (المرور عبر صناديق الاقتراع)، لكن هذه المشروعية لن تكتسب عبر المواثيق الاخلاقية التي تبقى رهينة الاهواء في ظروف مثل الظروف التونسية الحالية وانما باثبات الجدارة والنجاعة في ادارة شؤون البلاد، وفق تقدير الصحيفة.