“محاكمة الموتى في قضية صالح بن يوسف .. خلع للابواب المفتوحة … غلق لابواب المصالحة” و”المشهد السياسي في تونس .. غني بالاتهامات والتلاسن فقير بالبرامج والحلول” و”حذار من الانزلاق الى الفتن”، مثلت أبرز العناوين التي تصدرت الصفحات الاولى للجرائد التونسية الصادرة اليوم السبت.
أثارت جريدة (الشروق) في مقال بصفحتها الرابعة، استفهاما جوهريا حول الهدف من محاكمة الموتى في قضية الزعيم الراحل صالح بن يوسف معتبرة أن المشكلة لم تكن في المساءلة ولا المحاكمة ولا جبر الضرر ولا كشف الحقائق ولا غيرها من الاهداف بل المشكلة في المسار الذي اختارته بلادنا لتحقيق مسار العدالة الانتقالية.
وأضافت أن هذا المسار تضمن جملة من الاخطاء القاتلة أولها تسييس العدالة الانتقالية ومحاولة كل طرف الركوب عليها حتى يحقق براءته من جهة ويورط خصومه من أخرى وثانيها الاعتماد على هيئة حقيقة وكرامة معلولة بفعل خلافاتها الداخلية وثالثها الاحتكام في رئاسة الهيئة الى شخصية خلافية ومثيرة للجدل اضافة الى تضررها قبل الثورة مما يجعلها خصما وحكما في الان ذاته ورابعها أنه لم تتم تهيئة التونسيين لتقبل أحكام العدالة الانتقالية مهما كانت درجة ايلامها وخامسها أن تونس خسرت الكثير من الوقت في غلق ملف العدالة الانتقالية اذ من المفترض أن يتم طي صفحته خلال السنوات الاولى التي عقبت الثورة قصد التفرغ الى الصفحة الموالية المشرقة.
وبينت أن الخطأ الاكبر هو تعايشنا مع كذبة أخرى ذلك أن اغلب التونسيين لا يرنون الى المصالحة أو هم على الاقل غير معنيين بها، أما القلة القليلة الباقية فلا هم لها من المصالحة غير تحقيق المصلحة في تبرئة نفسها أو توريط خصومها ولهذا فشل مسار العدالة الانتقالية في تونس حيث نجح في العديد من التجارب الاخرى، وفق تقدير الصحيفة.
من جانبها اعتبرت (الصباح) في مقالها الافتتاحي، أن محاكمة قتلة صالح بن يوسف تقتضي، اذا أردنا الانصاف، الذهاب الى أبعد من التاريخ الذي حددته هيئة الحقيقة والكرامة أي محاكمة الصادق باي الذي وقع معاهدة باردو وسمح بانتصاب الحماية الفرنسية والاحتلال الذي سيكون سبب اختلاف الزعيمين مشيرة الى أنه من المهم الاعتراف بأن اعادة الاعتبار لعائلة الشهيد بن يوسف مسؤولية الدولة التونسية التي كانت بادرت باعادة رفات صالح بن يوسف ودفنه في بلاده وأمنت عودة عائلته الى أرض الوطن.
وأضافت أنه من الواضح اليوم أن واجب الدولة التونسية يفرض عليها أن تقطع الطريق على كل المحاولات لجر البلاد الى مزيد الفتن التي لا تحتاجها مبرزة أن تونس نجت حتى الان وعلى عكس بقية الدول العربية من السقوط في خطر المذهبية والطائفية وسيكون أسوأ وأخطر من محاكمة بورقيبة وأكثر منها حمقا أن يسمح لتونس اليوم بالسقوط في دائرة الصراعات القبلية والجهوية وتدمير ما بقي من مؤسسات دولة الاستقلال، وفق ما ورد بالصحيفة.
ولاحظت (الصحافة) من جانبها في ورقة خاصة، أن التدافع بين الاحزاب السياسية حال دون قدرة هذه النخبة السياسية على تلبية مطالب الثورة التي لم يتحقق منها شئ بل ان الفساد استشرى رغم أنه كان من أولويات الحكومة الحالية حين تشكلت سنة 2016 هيئة مكافحة الفساد واعتبار هذا الجانب أهم الاسسس التي تشكلت من أجلها مشيرة الى أنه رغم ذلك مازالت معاناة التونسيين متواصلة على جميع الاصعدة مقابل توسع دائرة الصراعات الحزبية بل ان الامر تجاوز الصراع ليصل الى مرحلة خيانة بعض الاحزاب للمبادئ التي قامت من أجلها الثورة.
وبينت أن عديد الاحزاب فسحت المجال لاطراف أجنبية التي لا تريد الخير لتونس ولا لشعبها وتسعى بقوة الى اعادة رميها في مربع الديكتاتورية وترك مصير البلاد بين أجنداتهم فوجدنا سفير فرنسا وسفير الامارات في مؤتمر نداء تونس وفي مؤتمر حزب عبير موسي ضاربين عرض الحائط كل أعراف العمل الديبلوماسي الذي يحجر على السفراء مساندة حزب على حزب مؤكدة أن ذلك الحضور من قبل بعض السفراء قد يكون بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة عن تجاوزات عديدة ارتكبتها هذه الاطراف ودولها في حق الديمقراطية في تونس وفي حق الشعب التونسي.
وأضافت أن ممارسة العنف المادي في المشهد السياسي عموما قد تكون معزولة ولا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة الا أن العنف اللفظي بات مستفحلا حتى أنه لا يكاد يمر يوم دون تسجيل اعتداءات أو شتائم أو تصريحات تلوث أسماع الفاعلين في الفضاء السياسي والمتابعين له صادرة عن أحزاب وقيادات منهجها الاقصاء وهدفها بث الاشاعات وتشويه الخصوم دون سند او اثبات، متسائلة اذا كان هذا حال الاحزاب في تونس وهذا واقع المشهد السياسي فهل يمكن أن ننتظر فعلا من هذه الاحزاب برامج قادرة على اخراج تونس من الازمة والوضع الحرج دون أن تكون هي المستفيد الاكبر؟ واذا كانت قيادات الاحزاب لا تتنازع سوى على المناصب والمسؤوليات ولا تحتكم للعقل لحل خلافاتها هل يمكن استئمانها على البلاد وعلى الشعب؟.