“الجبهة الشعبية لن يكون لها نفس شأن سنة 2014، إذا ما بقيت على حالها ولم تغير قيادتها وتقدم وجوها جديدة وخطابا جديدا” .. ذاك ما صرح به القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (أحد مكونات الجبهة الشعبية)، المنجي الرحوي، في سبتمبر 2016.
ذاك التصريح/الموقف، ولئن بدا في حينه انبثاقا عما تعيشه الجبهة من حراك داخلي، تبين لاحقا، بفعل سيرورة ذلك الحراك/الصراع، أنه ينطوي على “رؤية جديدة” ولدت داخل الجبهة، كانت من تجلياتها بعد أكثر من عامين، ترشح الرحوي لخوض الانتخابات الرئاسية لسنة 2019.
“الجبهة الشعبية”، التي جمعت خصوصا أكبر الأحزاب اليسارية، بخطابها وتمظهراتها السابقة، لم تكن لتسع طموحات المنجي الرحوي، الذي بدا مختلفا عن نواب الجبهة بالبرلمان، بخطابه الذي يتجنب بقدر ما “عنتريات” الإيديولوجيا الفجة، كما بتصريحاته “المنفلتة” عن الانضباط الصارم لأحزاب اليسار، و”سكتارية” خطاب قياداته، وإن اختلف الأسلوب.
بدايات الرحوي، المولود سنة 1963 بغار الدماء من ولاية جندوبة، في مسارب السياسة والإيديولوجيا، لم تختلف عن بقية رفاقه، إذ انخرط في العمل السياسي السري أيام كان تلميذا، وحكم عليه بالسجن مرتين وتم رفته من جميع معاهد البلاد، ولكن بخلاف أغلب رفاقه الذين انغمسوا كليا في العمل السياسي والنقابي، فإن انخراطه السياسي في حلقة “الوطج”، التي أسسها الشهيد شكري بلعيد، لم يثنه عن نيل شهائد عليا في المالية وعلوم الصيرفة في تونس وباريس، وجعلت منه إطارا بنكيا “ناجحا” يحمل “أفكارا ثورية” ..
مسيرة دراسية ومهنية، وبالخصوص سياسية، خولت له أن يكون رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب (تمنح رئاستها للمعارضة) خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث ترأس أعمال اللجنة التي صادقت، بمنطق الأغلبية داخلها، على قوانين المالية، التي قوبلت برفض واسع وبتحركات شعبية محتجة عليها.
موقعه على رأس لجنة المالية البرلمانية قرب الرحوي من صناع القرار، ومكنه من لقاء الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مرات على انفراد، كما حملت رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وفق روايات لم تقابل بالنفي، على محاولة استمالته بأن اقترح عليه موقعا وزاريا، لكنه رفض المقترح، كما يؤكد هو ذلك..
وجوده على رأس هذه اللجنة جعله أيضا يجتمع في قبة البرلمان ويتوافق مع نواب حركة النهضة، رغم عدائه الشديد لها ولأطروحاتها، كما جعله يلتقي وفود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتفاوض، وتمر أمامه أغلب قروض تونس خلال السنوات الأخيرة، وهي التي لا تزال تثير جدلا واسعا..
الرحوي خاض، لما كان عضوا بالمجلس الوطني التأسيسي (2011-2013)، معارك الدستور التونسي بفصوله المفصلية الأول والثامن، وتلك المتعلقة بالحريات الفردية والجماعية، لتتوج بدستور جانفي 2014، وبذلك العناق الشهير المؤثر الذي جمع الرحوي بحبيب اللوز، الذي يعرف بأنه أحد “صقور” حركة النهضة.
كل ذلك جعل جزءا من اليساريين يرون أن الرحوي حاد عن مبادئ اليسار وثوريته، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون ممثلا لليسار التقليدي .. يسار الاعتصامات والحركة الطلابية والحركة النقابية القصووية والمعارضة السياسية التي لا تنضب ولا تكل ولا تمل، في حين يرى الكثيرون، ومنهم المصنفون من “اليمين”، أنه “يبقى يساريا” يعبر عن طروحات أكل عليها الدهر وشرب و”رومنسية حالمة” لا يمكن أن تبني دولا وتحقق ازدهارها .. غير أن هذه النظرة أو تلك لم تمنع حزب حركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد إضافة إلى “التروتسكيين” من تزكيته وترشيحه للانتخابات الرئاسية 2019 .
الصورة التي يرسمها له خصومه من يساريين وغيرهم، كما أنصاره، كانت عاملا قويا في انقسام الجبهة الشعبية التي بقيت “ائتلافا حزبيا متراصا” الى حين اعلان الرحوي نواياه الترشح للانتخابات الرئاسية .. موقف أعاد إلى السطح الصراع القديم المتواصل بين “الوطد” وحزب العمال على تزعم يسار تونس .. تمظهر في صراع داخل الصراع بين حمة الهمامي ومنجي الرحوي، حول من سيكون أفضل من يمثل اليسار والأجدر لخوض سباق رئاسية 2019 .
يدخل منجي الرحوي رئاسية 2019، متطبعا بمسيرة وطموح زعماء شبان يساريين مجددين حكموا في بعض دول “أطراف” أوروبا، وهيمنوا في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية، وبخطاب يحاول الاقتراب من الواقع، ويرى أن البلاد تحتاج حلولا واقعية ونظرة جديدة، وهو ما جعله اليوم يمثل تيار “الإصلاحيين المتحمسين” في الحركة اليسارية في تونس، مقابل من يسميهم بعض الملاحظين بـ”حراس المعبد”.