“سجل الدينار التونسي تحسّنا مصطنعا مقابل العملات الأجنبية لكن هذا الضغط المصطنع قد تكون له عواقب وخيمة كما يمكن ان تتدهور قيمة الدينار بشكل أسرع ما بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية”، ذلك ما أكده الاقتصادي، عز الدين سعيدان في حوار خص به (وات) وقدم فيه القراءة التالية للوضعية الحالية للدينار التونسي.
أي قراءة تقدمون للتحسن الطفيف لقيمة الدينار خلال الفترة الأخيرة؟
من الأنسب، بدءا، بالنظر إلى عدم إستقرار الدينار، تقديم مؤشرات التصدير والعائدات السياحية وتحويلات التونسيين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر بحساب العملة الصعبة لإعطاء فكرة صحيحة عن تطوّر هذه المؤشرات. واعتقد ان الأطراف، التي تتولى تقديم هذه المؤشرات بالدينار، تسعى الى المغالطة تماما كما تكتفي بتقديم مؤشر أو إثنين وتجاهل بقية الأرقام.
وبما أن العملة الوطنية، تشكل المرآة العاكسة للوضعية الاقتصادية والمالية في أي بلد ، فإنه من غير ممكن ان تكون الوضعيه الاقتصادية متدهورة والعملة قويّة أو العكس. إذا تدهورت قيمة الدينار بشكل ملفت، وخسر أكثر من 70 بالمائة من قيمته منذ 2011، فهذا يظهر أنّ الظرف الاقتصادي والمالي سيء جدّا وأن المؤشرات الاقتصادية تدهورت بشكل كبير.
لقد لاحظنا منذ مارس 2019 تحسّنا في قيمة الدينار بشكل متواصل وهو ما يجعلنا نفترض تحسّنا في الظروف الاقتصاديّة والمالية للبلاد لكن لا ينطبق هذا الأمر على تونس.
وعلى مستوى النمو الاقتصادي فان الأداء المسجل جد ضعيف. وبالانزلاق السنوي فان نسبة النمو كانت في حدود 1،1 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 وبنسبة
2ر1 بالمائة خلال الثلاثية الثانية. ويظهر الرقم الثاني، الذي اعلن عنه المعهد الوطني للاحصاء، نموا بنسبة 0،1 بالمائة بالنسبة إلى الثلاثية الأولى و0،5 بالمائة بالنسبة إلى الثلاثية الثانية مقارنة بنهاية سنة 2018. ولا تعكس هذه النسب الضعيفة أي انتعاشة للدينار.
وعلى مستوى الميزان التجاري فان سنة 2018 كانت كارثية وانتهت بتسجيل عجز في حدود 19،2 مليار دينار مما أسهم بشكل كبير في تراجع قيمة الدينار. وفي 2019 تفاقم عجز الميزان التجاري بنسبة 20 بالمائة نهاية النصف الأول من السنة ولا يمكن القول بالتالي ان الانتعاشة المؤقتة للدينار هي نتاج تحسن الميزان التجاري.
ويعد التضخم العامل المحدد اذ تبدو معدلاته بعيدة عن دعم الدينار. ويقدر معدل التضخم، وفق ما نشره المعهد الوطني للاحصاء، في حدود 6،7 بالمائة وهو معدل لا يمكن مقارنته بسنة 2018 لان معدلات السنة المنقضية تم احتسابها بطرق مختلفة. وهو ما لا تبوح به السياسات. وقد تم احتساب التضخم في 2018 على ضوء مؤشر الاسعار عند الاستهلاك (أسس 2010) وفي 2019 فان المؤشر المرجعي هي سنة 2015. وبحسب الرئيس المدير العام للمعهد الوطني للاحصاء، تقنيا، الفارق بين طريقتي الاحتساب يقدر ب0،5 بالمائة. وعند اضافة هذا الفارق إلى معدل 6،7 بالمائة يصبح لدينا تضخما في حدود 7،2 بالمائة وهو ما يعد ضخما ولا يفسر تحسّن قيمة الدينار.
كل المؤشرات تبدو سلبية وفي الخانة الحمراء فبماذا تفسرون الانتعاشة التي سجلها مؤخرا الدينار؟
نجد جزءا من الإجابة عن هذا السؤال في التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي الذي وجه انتقادا واضحا وصريحا للسلط المعنية بالمجالات النقدية مفاده أن الانتعاشة التي سجلها الدينار التونسي ستزيد من تعقيد مسألة تعديل اختلالات ميزان الأجور. وقد ذهب الصندوق الى حد وصف المبادرات الخاصة بتعديل الدينار بغير العقلانية. وبمتابعة الاحداث المالية منذ بداية السنة، نجد انه تم التفويت في بنك “الزيتونة” و “الزيتونة تكافل” لمستثمرين أجانب مع تواصل عملية الاقتراض والتي وفرت العملة الصعبة ومنطقيا هذه العملة كان من المفروض توجيهها لاحتياطي العملة لاستغلالها لسداد الديون الهامة. ولكن السلط المعنية ارتأت غير ذلك وعملت على التدخل بصفة مكثفة في سوق الصرف وتمكين البنوك من العملة الصعبة بأسعار منخفضة بما ساهم في ارتفاع سعر الدينار، في حين تم استعمال جزء من العملة الصعبة للرفع من مستوى احتياطي العملة دون ان ننسى الدين الخارجي الذي أصبح حاليا يمثل مائة بالمائة الناتج الداخلي الخام وتساوي نسبة الفائدة الخاصة بهذا الدين 3 نقاط نسبة النمو السنوي.
وهذا يعني ان ديون تونس تضاعفت من اجل تحقيق انتعاشة مصطنعة ووقتية للدينار ولمجرد التوضيح فان الدين الخارجي قد ارتفع باكثر من 70 بالمائة خلال عامين حسب احصائيات البنك المركزي التونسي حيث انتقل من 62 مليار دينار سنة 2016 الى 105 مليار دينار في نهاية 2018 وفي سنة 2019 هذا التوجه المكثف نحو التداين كان متبوعا باصدار 700 مليون أوروفي بداية السنة والذي مكن من فتج مجموعة من الديون الاخرى.
هل بامكان تونس اليوم مواصلة تحمل هذه الوضعية؟
لا يمكن للبلاد احتمال هذه الوضعية أكثر من ذلك لان الارتفاع المصطنع للدينار تكلفته كان باهضة أولا أدى الى تفاقم الميزان التجاري لانه بتحسين اصطناعي لقيمة العملة الوطنية نعيق الصادرات وندعم الواردات وثانيا يجب التذكير ايضا بان التحويلات المنجزة من قبل المؤسسات الاجنبية المرتكزة بتونس بعنوان ارباح سنة 2018 استفادت من هذه الانتعاشة …
والنتيجة اليوم الاقتصاد يكاد يكون متوقفا والبلاد لم تعد تسجل اي نمو ولا اي استثمارات وتراكم العجز والديون وأعتقد أن أسباب هذا الوضع سياسية بحتة والدينار التونسي لا يمكن ان يتعافى بعد انتهاء الانتخابات.
غالبا ما تتطرق السياسات إلى تحسن العائدات السياسية كدليل لتفسير تحسن أداء الدينار. الى اي مدى يمكن اعتبار ذلك صحيحا؟
كما قلت في بداية حديثنا فان تقديم العائدات السياحية والصادرات وتحويلات التونسيين المقيمين بالخارج والاستثمارات الاجنبية المباشرة بالدينار التونسي يعكس الرغبة في المغالطة.
تمكنت تونس في 2018 من استقبال 8،2 مليون سائح وتحصيل 4 مليار دينار يعني 500 دينار للسائح الواحد اي ما يعادل 140 أورو مع احتساب كلفة تذكرة الطائرة. لا ارى في ذلك اي قدرة على الإسهام في إنعاش الدينار.
الى حدود يوم 10 سبتمبر 2019 استقبلت تونس 6،8 مليون سائح اي 600 دينار لكل سائح ما يعادل 170 أورو لكل سائح وللمقارنة فقط فإن متوسط العائدات بالنسبة إلى السائح الواحد في المغرب يعادل 600 اورو وفي كينيا 950 أورو للسائح الواحد.
لدينا مشكل جدي للغاية على مستوى الخيارات الاستراتيجية لهذا القطاع. ومكنت العائدات السياحية من الإسهام بشكل طفيف في دعم عائدات البلاد من العملة لكن عجز الميزان التجاري تفاقم في المقابل بشكل كبير وتبقى تغطيته جزئية جدّا.
بلغت قيمة العجز الجاري مستويات خطيرة اذ وصلت نسبته الى 11،2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2018 ويمكن ان يبلغ النسبة ذاتها في 2019 ووفق المواصفات الدولية فان هذا المؤشر لا يجب ان يتخطى ابدا مستوى 3 بالمائة. ويفسر هذا الوضع التداين المفرط الذي يهدد يشكل جدي الدين التونسيى.
ما يقلقني اكثر من ذلك ان هذا الخلط السياسي الذي يعتبر الخروج منه غير أكيد سيؤدي الى حالة ترقب وعدم ثقة لدى شركائنا الماليين والمستثمرين. هذا الترقب الذي يمكن أن يصل إلى سنة أو أكثر لا يمكن لتونس ان تتحمله بالنظر الى الضغوطات الهامة التي تعيشها المالية العمومية.