أكد هشام بن يعيش الخبير في الجغرافيا السياسية ورئيس تحرير مجلة “نيو أفركان” في قرائته للوضع العام لما بعد الانتخابات في تونس أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المزدوجة مثلت تجربة رائعة للديمقراطية وفق تعبيره.
وبين هشام بن يعيش في حوار نشرته جريدة “الأهرام هبدو” أن نتائج الانتخابات تشبه “عملية كنس” للطبقة السياسية الكلاسيكية من قبل التونسيين، الذين عبروا بطريقة بارعة عن رغبتهم في رؤية البلاد تلتحم مجددا مع القيم لوضعها على الطريق الصحيح.
وأشار المصدر ذاته الى ان التحدي كبير بالنسبة للسلطة الجديدة و التي قال انها “ستسير على حافة شفرة في الفترة القادمة بسبب العدد الهائل للأوضاع التي وجب حلّها و التي تتمثل في الديون والبطالة و الشغل و الحد من التفاوت وتنمية المناطق الداخلية للبلد ، إلخ…
وبخصوص ابرز التحديات التي تتمثل في تشكيل حكومة بدون أغلبية برلمانية قال الخبير في الجغرافيا السياسية ان الفخ المميت بالنسبة لتونس هو دستور جذاب من الناحية النظرية لكنه في الواقع يمنع من ممارسة الحكم.
واوضح بن يعيش ان النظام شبه البرلماني يعزّز لعبة الأحزاب السياسية التي تركّز السلطة بين يديها، أين تقضي الأحزاب وقتها في التفاوض على توافقات وهو ذات السيناريو الذي شهدته تونس من 2014 الى 2019 وكان البرلمان مسرحا لهذه الممارسات، مبرزا ان تصويت التونسيين ما كان الاّ درسا يعبّر عن الضيق الذي يعيشونه..
وتابع في ذات السياق”يمكننا القول أنّ تجزئة مجلس النواب على ضوء الانتخابات يفسّر الصعوبات في تشكيل الحكومة الجديدة، المفاوضات جارية والسيناريوهات تتعدد للخروج من هذا الوضع.”
وأضاف هشام بن يعيش ان الحزب الإسلامي النهضة، كشّر عن أنيابه و كشف طموحاته لقيادة الحكومة وهو يسرع في المبادرات لإيجاد شركاء لتشكيل الأغلبية للحكم، مشيرا ان السباق ضدّ عقارب الساعة بدأ حسب تعبيره .
وفي سياق متصل قال هشام بن يعيش ان تونس باختيارها قيس سعيد، تماثلت مع رجل إنساني وضعت فيه كل أمالها فمن خلال سحر الخطابة تمكّن من جعلها تحلم، واصفا اياه بالحالة الجديرة بالدراسة ومن المفارقات، أنه في هذه الحكومة الثنائية هناك سلطة تنفيذية برأسين، أحدهما له سلطة محدود وله معضلة أخرى هي أنّه لا يوجد حزب خلفه لدعمه وتنفيذ برامجه وبصرف النظر عن وزراء السيادة، وزارة الخارجية والدفاع، فتبقى سلطته محدودة .”
ونوه المصدر ذاته الى كل ما تعيشه تونس هو تجربة جديدة مشيرا الى ان قرارت قيس سعيد الأولى تُظهر أنّه يريد تشجيع الجميع على استكشاف مسارات جديدة ويقترح، بطريقة خفية، التحرّك نحو حكومة تكنوقراط أو حكومة بلا لون سياسي متابعا القول “لست متأكدّا أنّ ذلك سيلقى قبولا لدى الأحزاب السياسية التي لها رغبة جامحة لتحمّل المسؤوليات الوزاريّة. أمّا بالنسبة لقلب هرم السلطة فسيبقى ذلك في الوقت الحالي أمنية روحانية بسبب صلاحياته المحدودة.”
وعن المخاوف التي اثيرت في وقت سابق من شخصية رئيس الجمهورية قيس سعيد اعتبر هشام بن يعيش ان تونس تواجه واقعا لا مثيل له مؤكدا ان المخاوف حول سعيد تتلاشى تدريجيا و اتضح أن هذا الرئيس هو تجسيد للإسلاموية المحافظة التي ترسم جذورها من مزاج المجتمع التونسي.
واشار في نفس السياق الى ان النهضة هو منتج راسخ في إسلام الإخوان، والذي يقوم على ثقافة الأخوة وتفرعات دولية (تركيا، قطر، ليبيا، إلخ)، مشددا على ان التونسيين يعرفون ذلك بوضوح ومن وجهة النظر هذه، يصوّر رئيس الدولة الجديد ميدانه وتوجهاته الشخصية.
وتابع القول “بعد محاولة ضمّ قيس سعيد، أدرك الحزب الإسلامي النهضة أنه لن يكون دمية متحركة بين يديها. ومع ذلك، فانّ الأحزاب الجديدة الملوّنة بالحساسية الإسلامية والّتي هي جزء من حركة الإسلام السياسي (وهو طيف متنوع ومعقد) سيراقبونه ويمارسون بعض الحذر تجاهه..”
وبخصوص التحديات التي تواجه قيس سعيد قال هشام بن يعيش “هذا الرئيس الذي اعتاد على التصوّر والنظرية كونه جامعيّا، أصبح مضطرًا الآن للنزول من عليائه للدخول إلى الواقع، واقع السلطة وسيكون له ذلك بمثابة تعميد حقيقي أو وضعه حقيقة على المحكّ لا أحد يستطيع أن يقول كيف سيخرج من هذا الوضع فهناك الكثير من العناصر المجهولة”
وتابع الخبير في السياق ذاته القول “التونسيون أعطوا قيس سعيد صكّا على بياض لمعالجة سلطة المال وسلطة لولبيات الضغط وسلطة المافيا، وهو مشروع ضخم ينطوي على مخاطر لا تحصى. كما أنّ حكمه سيعتمد على الفريق الذي سيختاره لدينا بالفعل فكرة عن هذه الدائرة الأولى من المتعاونين معه. ومع صلاحياته المحدودة، يجب عليه إظهار قدرته على فكّ شفرة المطبّات وإيجاد طرق لإخراج تونس من أزمتها العميقة متعدّدة المظاهر ومن المستحيل التنبؤ بما سيحدث أو توقّعه. لكن هذا الرئيس – بدون خبرة سياسية وبدون حزب – يجب أن يتعلم بسرعة كبيرة رموز هذه المهنة. للدخول بكل ثقله الى مرحلة التنفيذ على الأرض لإيقاف النزول إلى الجحيم لبلد لا يستطيع الانتظار.
وختم يعيش حواره بالقول “تحد كبير لرئيس مبتدئ !”
هشام بن يعيش: “خبير في الجغرافيا السياسية ورئيس تحرير مجلة نيو أفركان و نيوافريكان بزنيس بفرنسا”