أفاد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب أن هناك أكثر من 400 إجراء بيروقراطي في الإدارة التونسية مقنن ومسنود بقوانين وأوامر ونصوص ترتيبية لا فائدة منها، تعيق التنمية والاستثمار وتوتر علاقة المواطن بالإدارة.
وأضاف الطبيب في تصريح صحفي على هامش اللقاء الحواري الذي انتظم اليوم الاربعاء في مقر الهيئة بالعاصمة حول “الفساد التشريعي”، أن مصالح رئاسة الحكومة أقرت بهذه التعطيلات، وتعهدت بتنقية المنظومة الترتيبية من هذه الإجراءات البيروقراطية .
وذكر رئيس هيئة مكافحة الفساد، بأن البنك الدولي كان نبه منذ سنة 2011، إلى وجود 38 قانون في تونس صادرة زمن الرئيس زين العابدين بن علي تهدف الى خدمة مصالح عائلة الرئيس ومقريبه آنذاك في علاقة بمجالات الاستثمار والديوانة، ولم يتم إلغاؤها إلى اليوم، متسائلا عمن يستفيد منها حاليا .
وفي علاقة بموضوع “الفساد التشريعي”، أكد الطبيب أن المنظومة التشريعية الوطنية تتضمن العديد من النصوص القانونية والترتيبية التي “تبرر الفساد وتشرعه أو تشرع للإفلات من العقاب”، مذكرا بأن تفكيك منظومة مكافحة الفساد، يتم عبر مساءلة الفاسدين ومقاضاتهم ومحاسبتهم، ومحاربة العقليات والسلوكات الاجتماعية التي تشجع على الفساد.
وأشار إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تسعى بالتعاون مع مركز الدراسات القانونية والقضائية (التابع لوزارة العدل)، إلى مراقبة المنظومة التشريعية والتنبيه إلى النصوص التي تشجع على الفساد والافلات من العقاب حتى يتحمل كل من المشرع والسلطة التنفيذية مسؤولياتهم في إلغاء أو تنقيح النصوص التي تتعارض مع منظومة مكافحة الفساد.
ولاحظ الطبيب وجود طرق غير مباشرة في الفساد التشريعي وتتمثل بالخصوص، في الاقتصار على إصدار قوانين تتعلق بمكافحة الفساد دون إصدار النصوص التطبيقية لها على غرار قانون حماية المبلغين وقانون التصريح بالمكاسب ومجلة الديوانة ومجلة الجماعات المحلية رغم أنها نصوص جيدة في مجملها، وفق قوله.
وأشار في هذا السياق إلى أن المجلة الجزائية التي تعود إلى سنة 1913، لا تتضمن أية إشارة إلى الفساد ومكافحته، مشددا على ضرورة أن تواكب هذه المجلة توجه البلاد نحو اعتماد الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وذلك الى جانب مجموعة من النصوص التي تنظم الصفقات والشراءات العمومية لا تخلو بدورها من العديد من الأحكام والقرارات التي تبقى مداخل للفساد.
واضاف في نفس السياق إن الهيئة بصدد القيام، بالاشتراك مع العديد من المتدخلين في منظومة مكافحة الفساد، بنوع من الضغط لتعديل كل تشريع يعطل هذه المنظومة، والدفع في اتجاه منظومات جديدة على غرار الإسراع بتنقيح مجلة الإجراءات الجزائية وتجميع النصوص المنظمة للصفقات والشراءات العمومية المشتتة في مجلة واحدة .
من جهتها، أرجعت المستشارة القانونية بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نورة الرزقي أسباب الفساد التشريعي، إلى سن قوانين وتشاريع تتعارض مع بعضها البعض، أو غامضة وغير واضحة، معتبرة من جهة اخرى أن عدم الاستقرار السياسي والأمني للدولة يؤدي إلى تراجع دور البرلمان في ممارسة اختصاصه مقابل تزايد دور السلطة التنفيذية.
وأوضحت أن مظاهر الفساد التشريعي تتمثل بالخصوص في النقص التشريعي على غرار عدم صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بمجلة الديوانة الصادرة سنة 2018، إلى جانب الغموض التشريعي وتضارب النصوص والبطء المتعمد في إصدار القوانين مثل تلك التي تعنى بالاستثمار أو الضرائب داعية الى مراجعة التشريعات ودعم السلطة القضائية وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز الشفافية وتجميع النصوص القانونية وتنظيم هياكل الرقابة صلب نص واضح وموحد.
وبينت أن مقاومة الفساد على المستوى التشريعي تقتضي مراجعة قانون الصفقات العمومية وتشديد العقوبات المتعلقة بالفساد والرشوة، وحماية المبلغين عن الفساد وتنقية المناخ الانتخابي والحرص على إبعاد العملية الانتخابية عن لوبيات الضغط وخاصة المال الفاسد.
وقد تم بمناسة هذا اللقاء الحواري حول “الفساد التشريعي”، توقيع اتفاقية شراكة بين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومركز الدراسات القانونية والقضائية.