في الوقت الذي تستعد فيه المجموعة الدولية لإحياء اليوم العالمي للمرأة تحت شعار – “أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة”، أماطت مفاوضات الساعات الأخيرة لتشكيل الحكومة التونسية الحادية عشرة بعد الثورة ، اللثام عن حجم المفارقات وعدم المساواة التي تعانيها الكفاءات التونسية النسائية رغم تباهي السياسيين على اختلاف مشاربهم بترسانة قانونية داعمة لحظوظ المرأة ومكانتها السياسية.
ورغم إدراج مقاربة النوع الاجتماعي وما صاحبها من جعجعة سياسية ومنابر ومهرجانات خطابية تصم الآذان عادة بكلام نظري بعيد عن الواقع، لم يتم إلى الحين تداول سوى أسماء 3 سيدات فقط لتولي حقائب وزارية، بعيدا عن الوزارات السيادية، في تسريبات تشكيلة حكومة إلياس الفخفاخ التي من المنتظر أن ترفع عشية اليوم الجمعة إلى رئيس الجمهورية طبقا لمقتضيات الدستور على أن تعرض في غضون الساعات القليلة القادمة على مجلس نواب الشعب لنيل ثقته.
وكان سلفه الحبيب الجملي، المكلف بتشكيل الحكومة خالف وعده باسناد 40 بالمائة من الحقائب الوزارية لكفاءات نسائية وبتولي سيدة حقيبة الخارجية لأول مرة في تاريخ البلاد ضمن تركيبة حكومته التي قدمها لمجلس نواب الشعب لنيل الثقة، يوم 10 جانفي 2019 ولم تحصل عليها، ولم تتجاوز فيها تمثيلية المرأة 24 بالمائة (4 وزيرات من بين 28 وزيرا مقترحا و6 كاتبات دولة من بين 15 مقترحة).
وعلّل الجملي ضعف حضور المرأة في حكومته بغياب الكفاءات النسائية في تونس رغم أنّ حضور المرأة اليوم في الجامعة التونسية يساوي أو يفوق حضور الرجل فيها دراسة وتدريسا وبحثا، وتحتل تونس المرتبة الثانية عالميا في عدد النساء في ميدان العلوم، وفق بحث أجراه البنك الدولي وأصدره سنة 2019.
غياب الإرادة
تبرير الجملي عدم إسناد عدد أكبر من الحقائب الوزارية للمرأة بانعدام الكفاءات النسائية، انتقدته رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي وقالت إنه يترجم العقلية السائدة في ما يتعلق بتقلد النساء مناصب قيادية مقدرة أن تونس لها من الكفاءات النسائية ما يؤهلها إلى مسك مناصب سياسية متقدمة وحقائب وزارية سيادية.
واعتبرت أن ما يسند من حقائب وزارية، لا يتعدى عددها في أحسن الحالات أربع وزارات نمطية لا يعكس ما بلغته المرأة وهو “محرج” للدولة التونسية التي سجلت منذ عقود عديد المكاسب خاصة في ظل تقدم بعض الدول العربية والافريقية على هذه المستويات، مستشهدة بلبنان التي أسندت عديد الحقائب الوزارية السيادية لكفاءات نسائية وكذلك البعض من دول افريقيا جنوب الصحراء التي بلغت فيها المرأة منصب رئيس الحكومة ورئيسة البرلمان واستأثرت احيانا بنسبة 60 بالمائة من مقاعده.
واعتبرت أن مشاركة المرأة مازالت ضعيفة في المواقع القيادية وأن اسنادها حقائب سيادية سيظل سرابا وأن تولي المرأة مواقع هامة من المفترض أن تترجم دورها المحوري، سيظل بعيد المنال، مقدرة أنه على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تدارك الأمر بمنح المرأة الأولوية عند تعيين السفراء والقناصل من جهة والولاة والمديرين العامين وغيرها من ناحية ثانية، ومؤكدة أن نسبة التعيين المتدنية في مواقع القرار ليس قدرا محتوما.
إقصاء المرأة عقلية وممارسة ذكورية
وذهبت الأستاذة الجامعية المختصة في دراسات النوع الاجتماعي والناشطة في المجتمع المدني والحركة النسوية في تونس، دلندة لرقش، إلى أن خذلان المرأة على مستوى توليها المناصب الوزارية، رغم ترسانة القوانين الداعمة لها واقرار خطة وطنية سببه ثقافي مجتمعي أكثر منه سياسي، فالسياسيون القائمون على البلاد حاليا، حسب قولها، هم نفسهم من وضعوا القوانين واتخذوا الاجراءات الداعمة لنفاذ المراة إلى مواقع القرار، غير أن ترجمتها على أرض الواقع ظلت من قبيل المنة وليست استحقاقا يتماشى وكفاءات التونسيات.
وتقول لرقش “عندما تسند للمرأة 4 أو 5 مناصب وزارية لها كأنها منة في حين أن المرأة كفاءة كالرجل تماما وهو ما لم يقع استيعابه، علينا أن ندرك أن الفجوة النوعية في تونس مازالت كبيرة رغم التقدم الحاصل على درب ردمها”، معتبرة أنه رغم التقدم المحرز والمكاسب التي انتزعتها المرأة عن جدارة وليس منّة من أحد، مازال أمام المدافعين عن تكافؤ الفرص مسار طويل خاصة أن الماسكين بزمام الأمر سواء على مستوى رئاسة الجمهورية وأو رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس نواب الشعب لم يولوا المسألة الجدية الكافية.
وتنم المواقف السياسية التي يعبر عنها السياسيون، حسب تقدير لرقش عن دور تكميلي للمرأة إلى جانب الرجل وكأنها مكملة له ويتم اسنادها مناصب تصلح للتسويق لمشهد سياسي داعم للمرأة مقدرة انه في “الحقيقة ما زلنا بعيدين جدا على ايلاء المرأة المكانة التي تتلاءم وكفاءاتها والدور المحوري الذي تضطلع به على المستويات الاقتصادية والاجتماعية”.
وكشفت دراسة انجزتها جمعية ” اصوات نساء ” حول ” ادراج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات التونسية المتعلقة بالقطاع الامني من الفترة 2014 الى 2018 وأعلنت نتائجها في جوان 2019، أن نسبة تعيين النساء بالمناصب القيادية سواء كان برئاسة الجمهورية او رئاسة الحكومة او الهيئات قد تراجعت من 30 بالمائة الى 15 بالمائة خلال الفترة 2014 / 2018 .
كما اشارت الى تراجع الميزانية المخصصة لإدراج النوع الاجتماعي صلب ميزانية وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن الى اقل من 0,5 بالمائة مقابل 2,5 بالمائة، رغم صدور الأمر الحكومي عدد 626 لسنة 2016، والمتمثل في إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط والبرمجة والموازنة للقضاء على جميع أشكال التمييز وتحقيق المساواة في التنمية وفي الحقوق والواجبات بين التونسيين والتونسيات. القوانين الداعمة لمبدأ التناصف موجودة ولكنها غير رادعة
جدل تمثيلية المرأة في مواقع القرار طفا على السطح من جديد مع ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في أكتوبر 2019، التي كشفت عن تراجع تمثيلية المرأة في المحطتين الانتخابيتين لسنة 2014 و2019 حيث انخفض حضورها بمجلس نواب الشعب من 36 بالمائة سنة 2014 إلى 23 بالمائة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2019، وتدنت نسبة ترؤسها القائمات الانتخابية إلى حدود 6 بالمائة.
وأعاد ذلك إلى الواجهة النقاش بشأن إطار تشريعي يضمن وجودًا أكثر للمرأة، ودورا أكثر تقدما، حيث اعتبرت القاضية رئيسة خلية بمركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل سامية دولة، أن القوانين الداعمة لمبدأ التناصف وحضور المرأة الفاعل موجودة إلا أنها غير كافية فهي “لا تنص على العقوبات في حال لم يتم احترام التناصف”، كما هو معمول به في انتخابات الهياكل القضائية التي تنص على أن الورقة الانتخابية التي لا تحترم التناصف تعتبر ملغاة وهو ما ضمن حضورا هاما للمرأة القاضية في مختلف المسؤوليات (رئيس دائرة جنائية ووكيل جمهورية ..).
وساقت في هذا الصدد مثال التنصيص على احترام مبدأ التناصف عند تشكيل الحكومة وفي حال تمت مخالفة ذلك يتم اسقاطها في البرلمان على غرار ما هو معمول به في الدول الاسكندنافية التي تفرض وجود 40 بالمائة على الأقل من كل جنس، مؤكدة أن تعليل عدم تمكين المرأة بمزيد من المناصب الوزراية في مقترح الجملي لا أساس له من الصحة فالكفاءات النسائية كثيرة حسب تقديرها إلا أن مسألة ضعف حضورها على الساحة السياسية وظهورها هي من الهنات الأساسية.
وأرجعت غياب المرأة على الساحة السياسية في المشهد العام في جانب كبير منه إلى الإعلام غير المناصر للكفاءات النسائية وحتى وإن تم تقديمهن ليس بالعدد الكافي، مؤكدة أن وسائل الإعلام يجب أن تحترم الأهداف التي تعمل عليها الدولة في جميع المجالات ومنها المساواة الجندرية حيث لا يتم بث برنامج كما هو في عديد الدول التي تعتمد مقاربات داعمة للمرأة إلا بضمان حضور ما لا يقل عن 30 بالمائة احتراما لمبدإ التناصف.
في المقابل ورغم محدودية تواجد المرأة في المجلس الوطني التأسيسي إلا أنهن تمكن من فرض مبدأ التناصف في دستور 2014 ، في المادة 34، التي تنص على أن “تعمل الدولة على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة”، ثم أتبع ذلك بالتزام أكثر وضوحا في المادة 46 منه التي جاء فيها “تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة” لتحصد المرأة بذلك 72 مقعدا من أصل 217 (ما يعادل 33.1 بالمائة) حسب احصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في انتخابات 2014.
هذه النتائج أهلت مجلس نواب الشعب حينها إلى الحصول على جائزة المنتدى العالمي للنساء عام 2015، تقديرا لتصدر تونس البلدان العربية من حيث مشاركة المرأة في البرلمان، ما مكنها من الارتقاء إلى المرتبة 34 عالميا على مستوى تمثيلية المرأة في البرلمان، وتجاوزت بذلك المتوسط العالمي المقدر بـ 20 بالمائة، غير أن التقهقر الأخير يستوجب وقفة تأمل للأخذ بأسبابه ومواصلة النهوض بوضع المرأة ومكانتها لا التراجع عن مكاسبها، في انتظار أن تكشف عشية اليوم تركيبة الحكومة المقترحة عن منحى لتعزيز تواجد المرأة أو تنكر لها ولكفاءاتها.