عندي مدة و اني نلوج بأي سياسي يمكنني أن اقارن الغنوشي و الحمد لله اهتديت!
الغنوشي هو ميتيران تونس،
الأول قضى على الحزب الاشتراكي بعد أن استنزفه لصالحه لعقود و الثاني لن يغادر الساحة السياسية الا بعد أن ينهك النهضة تماما و يقضي عليها.
وهو فعلا نسخة من ميتيران السياسي، مكيفالي تفكيرا و قولا وفعلا ،و انا جاد في المقارنة.
الغنوشي لن يعنيه انقراض النهضة شيء، بعد انقضاء حياته السياسية لانه يعتبر هذه الحركة ملكه و اداته و ما لزوم الأداة اذا انتهت المهمة سواءا بتاديتها ام بالخروج من الحلبة؟
الفارق الوحيد بين الرجلين هو أن ميتيران وصل إلى غرضه بأن صار رئيسا لفرنسا و الغنوشي لم و لن يصل إلى هذا الهدف،
وما اصراره على البقاء في رئاسة المجلس، الا تخفيف لآلام فشله في الوصول لمبتغاه، لأن الركب فاته لطول الصراعات و كثرة المحطات قبل المحطة النهائية.
وإلا ما اللذي يدفع بالرجل ان يقبل باهانات تكيلها له حارزة حمام من دون أن يستقيل و يعتزل الحياة السياسية ليخرج منها من الباب الكبير.
تماما كما ميتيران اللذي قبل بالتعايش السياسي مع شيراك لما خسر أغلبية المجلس ليبقى ١٤ سنة رئيسا لفرنسا!
لكن مصير الحزب الاسلامي سيكون تماما كمصير الحزب الاشتراكي، اي التفكك الداخلي ثم الانفجار و التشرذم.
فالغنوشي كما ميتيران، قضيا على اي إمكانية لبروز زعيم قادر على مواصلة المسيرة، لأنهم بالأساس لا مشروع لديهما و لا مسيرة سوى الأنا و بلوغ سدة الحكم لاشباع النهم السلطوي اللذي ينخر كيانهما منذ بداية مسيرتهما الشخصية إلى يوم انقراضهما من الساحة.
فميتيران كان يلقبه الإعلام الفرنسي ب”الالاه Dzeus-Dieu” و الغنوشي يرى نفسه رب تونس و مالكها.
فلو ندقق في مسيرة الرجلين لوجدنا القواسم المشتركة:
الدهاء السياسي (مع مكر و خبث)
الحِربوية (تصريح في الصباح و عكسه بعد الظهر)
الثبات على قيمة واحدة لا غير : تحقيق الطموح الشخصي
التكتيك (التكنبين بجميع الوسائل)
الإئتلافات الظرفية مع من بإمكانه ان يساعدهما على العبور، ثم الانقلاب عليه
كما فعل ميتيران مع الحزب الشيوعي و الغنوشي مع بن جعفر و المرزوقي.
عدم الثبات على العهد او الميثاق
استعمال الكفاءات الرهيبة بالحزب لصالح أهدافهما، ثم إخصائها كي لا تأمل يوما في إرث الزعامة
تماما كحرب ميتيران مع ميشال روكار و الغنوشي مع عبد الفتاح مورو
و القائمة تطول!
ويمكن مقارنة الرجلين مقارنة دقيقة بحشرة تسمى الجرادة الخضراء و بالفرنسية la Mantes Religieuse، إذ ان هذه الحشرة تنقض على عشيقها لتقتله و تلتهمه بعد الانتهاء من الجماع معها
بذلك يصبح لا حاجة لها به.
عرفتُ و عايشت الرجلين سواءا مباشرة او إعلاميا او فكريا من خلال الخطب و اللقاءات و الكتابات.
لا شئ يفرق بينهما سوى اللغة والبلد
والايام بيننا لتؤكد ما اكتب.
فالغنوشي مهما بقي له من مدة في الواجهة السياسية هو في نهاية العد التنازلي.
ومن بقي من قادة في هذه الحركة لا يرتقي احد منهم إلى مرتبة الزعيم القائد لعدة عوامل و اسباب
التسرع
الغرور
العنجهية، و عدم الكفائة و الطائفية المقيتة
لذا ستندثر النهضة كما اندثر الحزب الاشتراكي لتصبح ظل نفسها، خاوية على عروشها.
لذا، من يطرحون موضوع الإسلام السياسي و مخاطره على تونس، هم صنفان:
صنف المرتزقة السياسيين، اللذين يستعملون هذا الخطاب ك”ماعون خدمة”
من أمثال عبير موسي و محسن مرزوق و المهدي جمعة.
وصنف الحاقدين الايديولوجيين
من أمثال الوطد او ما تبقى من اليسار الاديولوجي الاستئصالي، او من رواسب القومية العربية المهزومة أمثال حركة الشعب.
و الأجدر بكل هؤلاء المراهقين السياسيين هو ان ينكبوا على الأسئلة الحقيقية و اولها:
نظرا لان الطبيعة تكره الفراغ،
كيف نعدّ الاجيال السياسية القادمة و مع من؟
لأن سقوط النهضة سيسقط الأحزاب اللتي تحاربها و ستتدحرج في بحر النسيان لان الثاني يتمعش من الاول، واذا ضاعت فريسته ضاع! لانها سبب وجوده بالأساس.
ولكم احد الادلة، تهميش الحزب الديغولي الفرنسي بعد انهيار الحزب الاشتراكي حيث أضحى الحزبان لا يحسب لهما حساب، مما مكّن حراك ماكرون من التواجد بقوة في ضل اضمحلال الأحزاب القوية السابق ذكرها.
وما بروز الفقاعات من أمثال ائتلاف الكرامة و تحيا تونس و قلب تونس و باقي الأحزاب الثالولية (الزوائد الجلدية) الأخرى في جسد السياسة التونسية الا دليل على التشرذم و الحيرة
و في الأخير، ما يدوم في الواد كان حجره!
بقلم: توفيق المثلوثي