قال محمد عبو وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد في الحكومة المنتهية مهامها، إنه لم يخضع طيلة فترة عمله على رأس هذه الوزارة، التي كانت محدودة، للضغوطات السياسية التي مورست عليها، مبرزا أن وزارته ومصالحها “فتحت ملفات لم يجرؤ غيرها على فتحها.”
وأضاف عبو، خلال ندوة صحفية بالمبنى الفرعي لرئاسة الحكومة بالقصبة المخصص لمصالح وزارة الوظيفة العمومية، اليوم الأربعاء، أن شريكا في الحكم كان يهدف إلى إسقاط الحكومة منذ تركيزها، معتبرا أن الحديث عن إسقاط الحكومة بسبب الفساد هو من باب الادعاء والمغالطات للشعب.
وقال “إن ما يحدث في تونس هو نتيجة لاختيارات هذا الشعب القادر على تصديق كافة الشائعات، وأن تونس الشعبوية قادرة على خلق رأي عام على أساس المغالطات وهو ما أضر بالبلاد وتسبب في إسقاط حكومات”، مشددا على أن حكومته لا تعترف إلا بالقانون ولم تخضع للضغوطات السياسية ولم تتدخل لخدمة مصالح الأحزاب ولذلك تم إسقاطها”.
وتطرق عبو، في الندوة الصحفية المنتظمة قبيل تسلم حكومة المشيشي لمهامها بعد نيلها ثقة البرلمان، إلى أهم الملفات الدقيقة والحساسة التي فتحها خلال فترة عمله على رأس الوزارة ومن بينها ملف مروان المبروك، الذي تولت هيئة الرقابة العامة للهياكل العمومية التدقيق فيه وتبين أنه لم يقع تلخيص أحكام القضية طيلة عامتين بسبب عدم الإمضاء عليه من قبل القاضي المتعهد، وفق عبو.
وقال في هذا الشأن “إن الملف المذكور ترتبط به أموال كثيرة وضغوط سياسية للتخفيف من الضغط على رجال الأعمال داخل المجالس الوزارية، ونحن لا نعترف إلا بالقانون”، وفق تعبيره.
وبين أن محاولات السيطرة على التجارة الموازية واسترجاع أموال الدولة، التي لا تكون عادة في البنوك، يتطلب القيام بمداهمات وفرض قوة القانون، غير أن العديد من الأطراف في الدولة حالت دون ذلك، على حد قوله.
وفي سياق متصل، قال عبو إنه اكتشف خلال الفترة السابقة وجود أموال مصادرة لرجال أعمال مازالت في البنوك ولم يتم إرجاعها إلى الدولة، وإنه دفع للقيام بالإجراءات اللازمة للقيام بهذه المهمة، التي قال إنها تعطلت بسبب تعقيدات إدارية و”فوضى في بعض الملفات”.
وحول قضية رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ، بين عبو أن تضارب المصالح هي وضعية يمكن أن تكون موضوع فساد وقد لا تكون، وهو موضوع قانوني يتكفل به رجال القانون وليس موضوع رقابة مالية، معتبرا أن هذه الوضعية جديدة في تونس و”أنه قد اتخذ القرار الصحيح بصفة فردية باعتبار أن القانون يسمح لي بذلك وانطلق التدقيق في هذه القضية الذي تتطلب ثلاثة أسابيع.”
أما بخصوص موضوع السيارة الإدارية التي ارتكبت حادثا وكانت تقودها ابنة وزير النقل، فقد اعتبر عبو أن هذا الملف ليس أكبر وأهم من بقية المسائل، وأنه قام بواجبه وأحال الملف على القضاء في 23 مارس الماضي.
وتطرق أيضا إلى ملف عقود المحروقات، حيث بين أن 54 رخصة محل تدقيق في مجال عقود المحروقات، مشيرا إلى أن الهيئة العامة لمراقبة المصالح العمومية كلفت بـ 8 مهام أهمها عقود المحروقات وأنه متأكد من وجود العديد من التجاوزات في هذا الملف الذي يتطلب التدقيق فيه ستة أشهر على الأقل.
وأضاف في هذا السياق أن الهيئة الرقابية قامت بمهمة رقابية في المجمع الكيميائي ولكنها تتطلب وقتا كافيا لاستكمال عملية التدقيق، على مستوىات عديدة من بينها الانتدابات الوهمية وغيرها.
وفي ملف آخر، بين عبو أن مراقبي الدولة قاموا بعملية تدقيق بخصوص الملحقين الاجتماعيين كشفت أن العديد منهم لا يتمتعون بالمؤهلات العلمية المناسبة لهذا المنصب إضافة إلى تسجيل غياب شبه تام لهم على الحدود وأن انتدابهم لم يتم بموجب مناظرة ( والحال انهم ادعوا انه قد تم فتح مناظرة سنة 2019) وتم الاتصال بوزير الشؤون الاجتماعية في هذا الشأن، وفق تأكيده
كما تطرق إلى قضية تتعلق بأسلحة فاسدة كان أحالها على القضاء في 25 جويلية الماضي دون أن يقدم أية تفاصيل إضافية بخصوصها، مبينا أن تفاصيل الملف موجودة لدى وزارة الداخلية ولا يمكنه كشف المزيد حولها، مؤكدا في المقابل قناعته بوجود فساد مؤكد في هذه القضية.
وبالنسبة لملف الديوانة، بين محمد عبو أنه أحال ثلاث شكايات تتعلق اثنتان منها بصفقة مشبوهة وشكاية أخرى بجريمة الثراء غير المشروع، موضحا أن نسبة الضباط في الديوانة تجاوز الخمسين بالمائة وهي نسبة كبيرة، وفق تقديره، مبينا أن قرار إحالة عدد منهم على التقاعد الوجوبي كان في إطار التشاور ومطلبا للنقابيين لإتاحة المجال أمام الشباب.
وبخصوص قضية هيئة مكافحة الفساد، قال عبو إن معلومة وصلت لرئيس الحكومة السابق بوجود تسييس في قراراتها وأنه قد اتبع الإجراءات القانونية اللازمة في مثل هذه الحالات، داعيا إلى الابتعاد علن منطق المؤامرات وإدخاله في كل ملف وكل قضية .
كما تحدث عن ملف حركة النهضة، الذي قال إنه قدم في شأنها عديد المهام الرقابية للتدقيق في مصادر تمويلها وفي ملف آخر لقنوات تلفزية فيه شبهة تبييض أموال.
وقال ” ليس لنا قدرات كبيرة ولا نملك كل الصلاحيات لمقاومة الفساد كما يروج البعض، لسنا أجهزة استخبارات، نحن مجرد هياكل رقابية، عملها وتدخلها محدود ونرتبط فقط بوزارتي الداخلية والعدل”، معتبرا أنه قد توفق في عمله إلى حد ما وحاول تحقيق الإصلاحات رغم كافة الصعوبات والضغوطات التي كان يعمل تحت طائلتها.
وتحدث عبو عن إنجازات قام بها ” رغم أن الفترة الأولى تركزت حول مكافحة انتشار فيروس كوفيد 19، وتركزت هذه الإصلاحات في مجالات الوظيفة العمومية، تمثلت بالخصوص في الإجراءات الخاصة بتسيير المؤسسات العمومية خلال فترة الحجر الصحي وبمنظومة التكوين وفي مجال التصرف في المنشآت العمومية والتحديث الإداري والعمل عن بعد وتبسيط الإجراءات الإدارية على غرار الخدمات على الخط”، وفق تعبيره.
وفي مجال الحوكمة ومكافحة الفساد، تمثلت أهم الإنجازات، التي تحدث عنها محمد عبو، في فرض نشر تقارير الهيئات الرقابية على ذمة العموم وإحالة ملفات شبهات الفساد الى الإدارات المعنية للإجابة والى أجهزة الرقابة وإلى التفقديات وإلى القضاء وإصدار الدليل العملي الخاص بخلايا الحوكمة وتوزيعه على هذه الخلايا .
وتولت الوزارة ومصالحها القيام بمهام رقابية مثل التدقيق في ملف الكمامات وملف جودة الطرقات ومناظرة المعهد الأعلى للمحاماة ومناظرات في الديوانة وملف الأراضي الفلاحية في منوبة الذي تضمن العديد من الإخلالات، وفق تعبيره.
وبين الوزير السابق أنه قام خلال الفترة الأخيرة بتقديم العديد من المقترحات لرئيس الحكوم، الذي رفضها جميعها ورفض تمرير بعضها على مجلس الوزراء، معربا عن الأمل في أن تواصل الحكومة القادمة النسج على نفس المنوال.
وخلص محمد عبو إلى أن الوضع في تونس سيء جدا ولا ينبئ بالخير وأن السبب الرئيسي هو عدم القدرة على إنفاذ القانون.
وأعلن عبو، خلال الندوة الصحفية، عن استقالته من الأمانة العامة لحزب التيار ومغادرته للحياة السياسية بعد اقتناعه بعدم قدرته على التغيير والإصلاح.