هو مشهد غير مالوف لعودة مدرسية استثنائية، عودة بطعم الاكراهات، اكراهات التباعد الاجتماعي ومكابدة اللثام الواقي طيلة ساعات الدرس وقيود المسافات وبرودة اللقاء بعد غياب قد طال، خوفا من عدو غادر قد تربص بالبشر واربك العالم ليتسلل الى النفوس من حيث لا نعلم، انه فيروس كورونا المستجد الذي ملا الدنيا وشغل الناس
فالواقع الصحي المر اليوم يصطدم براهن تعليمي امر، اذ لابد من تحصيل ما فات وتدارك اشهر من بطالة اجبارية للدرس والقسم للحيلولة دون انتشار الفيروس بين صفوف التلاميذ والناشئة، فكانت العودة اليوم ، لكن الفرح كان غائبا، فامام عديد المدارس بتونس العاصمة اليوم وعلى غير العادة ، الابتسامة لم تعلو الوجوه والحيرة تجلت في كثير من العيون،فهي العودة في زمن الكمامة وزمن الوباء
هي ايضا عودة المفارقات، فالتباعد الاجتماعي يكاد يكون معادلة مستحلية في مشهد عاينته موفدة /وات/ في عديد المدارس (نهج الحكيم كسار، نهج الهند نهج الباشا، نهج روسيا) ،اين حشود التلاميذ والاولياء قد افصحت عن استحالة تحقيق التباعد الاجتماعي وكل ما وضعته السلط المعنية من بروتوكولات صحية لتامين العودة ، فعالم المدرسة هو عالم الاختلاط، تلك هي طبيعة هذه الفضاءات، عبارة رددها الكثير
فاللامبالاة بقواعد الوقاية في محيط المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية على حد السواء بدت جلية ،وليس من الغريب ان تمر من هناك ،فتشاهد سلوكا اجتماعيا يتجاهل كليا اهمية الوقاية خاصة هذه الفضاءات التي تعد بيئة ملائمة لينتشر فيروس كورونا كالنار في الهشيم
فكثر هم ممن لم يكترثوا بوضع الكمامات رغم ما ابدوه من خوف كبير على صحة ابنائهم وهوس من المستقبل المجهول الذي يحدق ليس بتونس فقط بل بالعالم اجمع، على حد تعبير احدهم حين توجهت لهم موفدة /وات/ بالسؤال
وتدخل احد الاولياء ايضا ليعلق ان الفيروس لايزال قابعا هنا في ظل عدم التوصل الى لقاح وضعف امكانات الدولة و ووجود مواطن اما منعدم الوعي او معدم الجيب ،ما يجعل من اجراءات الوقاية والبروتوكولات الصحية ضرب من السراب او مجرد حبر على الورق ويظل الخوف سيد الموقف
وتحدث اخر عن عجز كل من المنظومة التربوية والصحية عن اداء دورهما على ارض الواقع وخارج مكاتب الادارات وحيز الاجتماعات ، بما يستدعي ضرورة التعايش مع هذا الفيروس والتعود على القيود التي يفرضها من اجل استمرار الحياة وتحصيل الدرس رغم الضغوط النفسية والاجتماعية للخروج باقل الخسائر البشرية والاقتصادية وضمان تامين سير الدروس
ومنهم من جزم ايضا بان الوضع سيظل يرواح مكانه بين انعدام الوعي والجهل عند الكثير واللامبالاة والتجاهل عند الكثيرين ايضا في زمن “اللادولة” والفساد الذي نهش كل مناحي الحياة ، معلقين ان انتقال العدوى سيظل سماء مفتوحة على مصراعيها
ومن المحيط الخارجي الى داخل المدارس التي عاينتها موفدة /وات/ ، ينبعث الامل ويلوح الاصرار على تامين العودة المدرسية، حيث حضرت روح المسؤولية والعزم على انجاح العودة والالتزام بكل الاجراءات لدى الاطار التربوي والاداري رغم ضعف الامكانات
فهي فضاءات تربوية وان وقع تعقيمها ،فانهم اكدوا التعويل على مجهوداتهم الذاتية من خلال احداث صلب الاسرة التربوية والادارية لكل مدرسة للجان داخلية في المدارس والمعاهد التي يباشرون بها تسهر على تامين المداخل وتطبيق البروتوكول الصحي للتوقي من الفيروس
كما عاينت مراسلة /وات/ منع اصطفاف التلاميذ امام القاعات التي وقع تعقيمها والتحاقهم بالدرس تبعا لنظام الافواج ، فضلا عن جلب الاطار التربوي والكثير من الاولياء لمواد التنظيف وللكمامات للحفاظ على صحة ابنائهم واطفالهم
واكد عديد المعلمين والاساتذة انخراطهم في عملية الوقاية، حيث سيتولون بانفسهم تعقيم القاعات بعد خروج كل فوج للتلاميذ وقبل دخول فوج اخر ، في ظل عدم توفر العدد الكافي للعملة، سيما وان الخوف من انتشار الفيروس يستدعي تحمل المسؤولية من كل الاطراف
كما زوقت المدارس الاعداية جدران الباحات والاقسام بمعلقات تحسيسية تضمنت قواعد الوقاية لتوعية التلاميذ والاطفال ،من قبيل “امتنع عن المصافحة والعناق” و”لا اتبادل ادواتي ولمجتي مع زملائي” و”اتجنب التجمع مع زملائي” و”اعقم يدي باستمرار” و”لا اذهب للمدرسة اذا احسست بالتعب واخبر الطبيب”
بين كورونا الفيروس وكورونا الاسعار.. الاولياء يطلقون صيحة فزع
اليوم ، وقد دقت طبول الدراسة في تونس ، وعدنا الى مقاعد قد اشتاقت الى مريديها، عودة وان طغت عليها مشاعر الرهبة والخوف من انتشار الفيروس بين صفوف التلاميذ ، فقد استعد لها الاولياء وكل الاسر التونسية، فالتعليم يظل في تونس شان مقدس ، تتداين من اجله العائلات وتقترض من البنوك، سيما وان غلاء الاسعار المشط للمواد المدرسية يجثم بثقله على اغلب الاسر في هذه الفترة
وكالعادة انتصبت العربات والبضائع المدرسية في الشوارع المتاخمة لشارع الحبيب بورقيبة وخاصة شوارع برشلونة واسبانيا وشارل ديغول وسوق “سيدي بومنديل” لتكون الوجهة المثلى لكثر من التونسيين الذين افقرت جيوبهم، حيث وجدوا انفسهم مدفوعين الى التبضع من المنتصبين العشوائيين لبيع المواد المدرسية من اقلام وكراريس ومواد تقنية والوان واغلفة من صنع الصين ، اذ يضطر التونسي لاقتنائها رغم غياب المواصافات، ازاء الاسعار المشطة ، اذ بلغ سعر الكراس من الحجم الكبير 17 د على سبيل الذكر لا الحصر، وهو سعر مرتفع جدا بالمقارنة مع دخل التونسي الضعيف والمتدني( المرتبة 172 على الصعيد الدولي)
وغير بعيد عن الرهبة من كورونا” والهروب من الاسعار المشطة، فقد شهدت السنة الحالية ارتفاعا في عدد المنقطعين عن الدراسة لعجز اسر هؤلاء عن تحمل المصاريف الدراسية وحالة التهميش التي يعيشونها زمن اقرار الوزارة التسجيل عن بعد و تدريس اللغات الأجنبية عبر محامل الكترونية ، تناقض من شانه ان يعمق فجوى المفارقات التي تطبع المجتمع التونسي بين الفقر المدقع في جهات والامكانات المادية والالكترونية المتوفرة في جهات اخرى، بما يعمق ايضا هوة الفوارق الاجتماعية
في المقابل ووسط هذه الخارطة الغرائبية ، يحضر المجتمع المدني بثقله ، حيث شرعت هيئة الهلال الأحمر التونسي (فرع تونس) في الحملة السنوية لجمع الأدوات المدرسية لفائدة المحتاجين
يذكر ان عددا من الاطباء كانوا قد طالبوا مؤخرا بالعودة المؤقتة للحجر الصحي وتاجيل العودة المدرسية لمدة 3 اسابيع للحيلولة دون مزيد انتشار فيروس كورونا في ظل ارتفاع وتيرة العدوى وتفاقم الاصابات في تونس، وذلك للتمكن من التقصي وتتبع خط العدوى للسيطرة على الوباء
يشار ايضا الى ان عديد الدول، على غرار المغرب والاردن وفرنسا والمانيا قد اعادت غلق المدارس او عدد منها بعد تسجيل ارتفاع نسق العدوى بالفيروس على اثر العودة المدرسة